french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr
 

ثورة سلمية محمية - محمد ناصح عبد الله

 

2012-12-05

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

  

 

        بعض السوريين متفائلون بحسم قريب وسقوط كامل للنظام، لكن القلقين المشفقين المتحيرين فكثيرون.. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يقدمون على الموت بكل إخلاص، وملايين من المدنيين بين مشرد ومحاصر ومصاب.

       الدعوات متناقضة بين من ينادي بالجهاد المسلح مهما بلغت الخسائر والتضحيات في سبيل الحرية والتخلص من النظام، وبين من ينادي بسلمية الثورة لأنه يرى السلمية أقوى أثراً وأقل ضرراً. لكن من ينادي بالسلمية وأنا منهم يقف متحيراً ماذا يرد على الذين يجادلونه ويضربون الأمثلة من جرائم النظام التي فاقت كل التوقعات، ويسألونه مستنكرين: هل من المعقول أن تطلب من الناس أن يكفوا أيديهم ولا يدافعوا عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ومساكنهم؟.

         لو التزم السوريون السلمية الكاملة وامتنعوا عن أن يبسطوا أيديهم بأي عنف حتى لو دفاعاً عن النفس والعرض والمال والديار لأمكن إسقاط النظام بسرعة أكبر ولكانت النتائج مضمونة أكثر.

        أنا مؤمن أن اللاعنف أو كفُّ الأيدي كما سماه القرآن الكريم سلاح فعال في الصراعات ضمن المجتمع الواحد أكثر من القتال والجهاد المسلح بكثير. لي أكثر من عشرين عاماً وأنا أتفكر باللاعنف كوسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي وذلك منذ أن تعرفت على فكر الشيخ جودت سعيد والدكتور خالص جلبي وقرأت كتبهما أكثر من مرة. المهم اقتنعت باللاعنف قناعة تامة ومازلت على قناعتي به، لكن كلمة قالها لي صديق لي يؤمن مثلي باللاعنف رداً على تأكيدي أنه على الثورة السورية أن تعود سلمية مئة بالمئة وعلى مبدأ ابن آدم الأول: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)) {سورة المائدة} أجابني إجابة ذكية ساعدتني كثيراً على العودة إلى الواقعية الحكيمة، قال لي: "ما تقوله يحتاج إلى قديسين ليقوموا به". وعبارته تتضمن أن السوريين فيهم ضعف البشر وليسوا قديسين ولا أنبياء ولم يستطيعوا الصبر على العدوان الهمجي الذي تعرضوا له دون أن يتصرفوا التصرف الطبيعي المتوقع من البشر وهو رد العدوان بعدوان مثله، لعل ذلك يردع المعتدين ويعجل بانزياح الكابوس عن صدورهم. كنت ومازلت معجباً كثيراً بصمود اليمنيين أمام استفزاز نظامهم ومحاولته دفعهم إلى الثورة المسلحة بدل السلمية، فثبتوا على السلمية رغم أنهم أكثر شعب عربي مسلح حتى في الأحوال العادية، ويقال إن الشعب اليمني يمتلك أكثر من خمسة ملايين قطعة سلاح.. وأنا أعتقد من الناحية النفسية أن امتلاكهم السلاح من قبل الثورة بكثير حماهم من الإذلال الذي تعرض له السوريون على مدى أكثر من أربعين عاماً، وبالتالي أكسبهم وجود السلاح بأيديهم دائماً، ثقة بالنفس، جعلتهم لا يتصرفون بأسلوب رد الفعل، ولا ينفع معهم استفزاز نظامهم لهم من خلال قنص مئات المتظاهرين السلميين في يوم واحد، لكنني حتى لا أظلم السوريين وأنا أقارنهم بإخوتهم اليمنيين أقول الله وحده يعلم كيف كان اليمنيون سيتصرفون لو اتبع نظامهم سياسة الاغتصاب الممنهج المتعمد بهدف الإذلال والتخويف والدفع إلى السلاح.. نحن أمة لا تتحمل الاعتداء على العرض ويصعب على أبنائها أن يملكوا أنفسهم وأن يحافظوا على السلمية المطلقة وهم يرون شرار الناس يعتدون على بناتهم وأخواتهم، واليمنيون من أشد الشعوب العربية تمسكاً بهذه القيم الأصيلة.

       في مقالاتي السابقة عن الثورة السورية وبخاصة في مقالي الرابع "الثورة السورية بين العنف واللاعنف" دعوت إلى السلمية وكفِّ الأيدي، لكنني قلت إن ذلك لا يتناقض مع كون من مات دون نفسه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون أهله أي عرضه فهو شهيد، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

         لم أكن أناقض نفسي يومها.. لكننا بحاجة إلى بعض التفكر لنكتشف الموقف السليم الذي يريده الإسلام منا في مثل هذه الأزمات. كلنا يعلم أن في الإسلام رخص، وفيه عزائم، فيه تعاليم تدعو للأمثل في كل شيء، وفيه الإذن بفعل ما يتماشى أكثر مع الضعف البشري، لكن ضمن إطار من العدل والطاعة لله ورسوله. القرآن الكريم صور المؤمنين أنهم أناس يكظمون الغيظ ويعفون عن الناس ويدفعون السيئة بالحسنة، قال تعالى في سورة آل عمران: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) وقال في سورة فصلت: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) }. وقال في سورة الشورى: { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) }، وقال في سورة الجاثية: { قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) }.

        إذاً هي دعوة إلى أن تدير خدك الأيسر لمن لطمك على خدك الأيمن، فلا ترد اللطمة باللطمة ولا الإساءة بالإساءة، بل تصبر وتغفر، فيكون قلبك نقياً من الغل والحقد، مما يُمَكِّنُك من أن تحسن لمن أساء إليك، إحساناً صادقاً من كل قلبك، وعندها تستطيع تغييره بدل تدميره، فيتحول كأنه ولي حميم، وإن لم يتحول إلى ولي حميم بكل معنى الكلمة. القرآن يدعو المؤمنين ليغفروا حتى للذين لا يرجون أيام الله من الكفار والملحدين والمشركين، ولا يقصر دعواه على الصبر والمغفرة على الحالة التي يكون فيها المعتدي أو المسيء مؤمناً مثلهم، وهذا يعني أننا مدعوون لأن نغفر للمسيء إلينا لا من أجله، فالله سيجزيه بما عمل، إنما دعانا إلى أن نغفر لترتاح صدورنا من مشاعر الغيظ والغل والحقد، وليزول الجدار الذي تشكله هذه المشاعر بيننا وبين إخوة لنا في الإنسانية أساؤوا إلينا، فنحسن إليهم ونرد الإساءة بالحسنة، وعندها يتحقق لنا ما نسعى إليه عندما نرد على العدوان بالعدوان، يتحقق لنا دفع العدوان وتجنب المزيد منه، وحماية أنفسنا من المزيد من الأذى والإساءة، وهذا واضح في قوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة، أي ليس الأمر عجزاً واستسلاماً وسلبية تغري المعتدي بمزيد من العدوان، بل هو دفع للإساءة، لكن بوسيلة مثالية راقية تجعلنا ننتصر على الخصم بتحويله إلى ما يشبه الولي الحميم بدل العدو اللدود الذي كانه.

        هذه هي العزيمة أما الرخصة التي تتجاوب مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها أكثر، وإن كانت دونها في الرقي والسمو الخلقي والتأثير في الغير، فهي رد الإساءة بإساءة مثلها، لا بإساءة تفوقها، فقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمَثِّل بسبعين من المشركين، لما رأى تمثيلهم الحاقد بجثة عمه الحبيب إلى قلبه حمزة رضي الله عنه في غزوة أحد، فنزل القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة النحل: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) }.

            إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، هذا إن عاقبتم، وإن هنا تشكك بوقوع المعاقبة، لكن تأذن بها في الوقت نفسه، دون تشجيع عليها، بل الحض هو على الصبر والإحسان، ومعه تذكير أن الصبر خير للصابرين من الانتقام، وأن الله مع المتقين، ومع المحسنين، الذين لا يظلمون، والذين يصبرون أكثر مما يعاقبون.

         قال تعالى في سورة الشورى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ{37} وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{38} وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ{39} وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{40} وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ{41} إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ{42} وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{ 43}}.

           هذه الآيات الكريمة تلخص الموقف الإسلامي بكامله عند التعرض للعدوان، فهي تدعو إلى المغفرة، لكن تأذن برد العدوان بعدوان مكافىء، وتنهانا عن أن نظلم حتى الذين بادرونا بالعدوان والأذى.. اقرؤوها مرة أخرى وتأملوها لتعلموا روعة هذا الدين الذي يجمع بين المثالية والواقعية جمعاً رائعاً مريحاً للنفس البشرية.

         ومثال آخر لعل الفكرة تتضح أكثر.. يقول تعالى إن عشرين من المؤمنين حق الإيمان والصابرين حق الصبر يغلبون مئتين من غير المؤمنين، وإن مئة من المؤمنين الصابرين يغلبون ألفاً من الذين كفروا، قال تعالى في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } 65  ثم قال: {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }  66.

          ونعود إلى موضوعنا الأصلي، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عنِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قال: ذَهبتُ لأنْصُرَ هذا الرَّجُلَ، فلَقِيَني أبو بَكرةَ فقال: أينَ تُريدُ؟ قلتُ: أنصُرُ هذا الرَّجُلَ: قال: ارْجِعْ، فإنّي سَمِعْتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إذا الْتقَى المُسْلِمان بسَيْفَيْهما فالْقاتِلُ والمقتولُ في النار. فقلتُ: يا رسولَ اللّهِ هذا القاتِلُ، فما بالُ المقتول؟ قال: إنه كان حَريصاً على قتلِ صاحبِه».

          وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: «مَن قُتِلَ دُونَ مالِه فهو شَهيد». وقال فيما رواه أحمد في مسنده: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد». وروى النسائي في سننه الصغرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».... هو شهيد إذن إن قتل وهو يدافع عن نفسه أو ماله أو عرضه، هذا بغض النظر عن دين المهاجم وعلاقته بالمؤمن الذي يقاتل دفاعاً، أي إن القتال دفاعاً مشروع والموت فيه استشهاد حتى لو كان المعتدي شيخ الإسلام، ومؤمناً لا يفوقه أحد في العبادة كما كان الخوارج. وكما هو  حال الكثيرين من الجهاديين التكفيريين الذي يستحلون دماء الناس  في زماننا هذا، مع أنهم غالباً متدينون وربما كانوا شديدي الالتزام الديني والتعبد فيما سوى استباحتهم لدماء الآخرين.. الدفاع مشروع سواء كان من يهاجمك مسلماً أو كان كافراً، لكن أن يلتقي المسلمان بسيفيهما فهو محرم، وكلاهما في النار.

         ما الحل عندما يكون من يعتدي علي مسلماً، وأريد أن أقاتله لأحمي نفسي ومالي وعرضي؟ الحديث الذي يحرم التقاء المسلمين بسيفيهما يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما، أي خرج كل منهما من دياره ليلقى الآخر بسيفه، وكلاهما مؤمن بالعنف والقتال وسيلة لحل الخلاف، فيقاتله على أمل الغلبة وفرض الإرادة، أي يكون التقاؤهما بالسلاح هجوماً مقصوداً من كل منهما لا هجوماً من أحدهما ودفاعاً من الآخر، إنما مبادرة لمهاجمة الخصم وعدواناً استباقياً قبل أن يبدأ الخصم هجومه.

          خروج المسلم للقاء المسلم بالسيف حرام، والقاتل والمقتول فيه في النار، لكن الدفاع حلال، والمقتول فيه من المدافعين شهيد.. أي عندما نقاتل جنود النظام وشبيحته ومخابراته إن هاجموا بيوتنا أو أحياءنا أو بلداتنا لنذود عن أنفسنا بما في ذلك أولادنا وأهلينا ولنحمي أموالنا وأعراضنا، فإن قتالنا يكون في سبيل الله، ومن يموت منا فهو شهيد، له أن يتوقع جنة عرضها السماوات والأرض، أما أن نهاجمهم في ثكناتهم، أو مراكزهم، أو قراهم، فهذا ليس دفاعاً، حتى لو بررناه لأنفسنا، على أنه دفاع استباقي، على مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع.

         يمكن لكل حي أو بلدة تحديد هامش أو حمىً، لا تسمح لجيش النظام وعصاباته ومخابراته أن يجتازوه، وتقاتلهم إن اقتربوا منه، لكن لا ترسل المقاتلين لمهاجمة النظام ورجاله، طالما هم بعيدون عن هذا الحمى. أي يكون دخول الجيش وقوى الأمن والشبيحة ممنوعاً إلى مناطق الثوار، ولا يتم إلا على جثثهم، لكن للنظام ورجالاته أن يأمنوا على أنفسهم من أي عدوان من الثوار، طالما بقوا بعيدين، ولم يبادروا بالهجوم والاعتداء.

         في الوقت ذاته تبقى مناطق الثوار تحت الإدارة المدنية للدولة، ويدخلها كل الموظفين الحكوميين، بما فيهم الشرطة والمباحث الجنائية وشرطة السير، وكل ما يلزم لاستمرار الحياة المدنية في تلك المناطق تحت حكم الدولة، أي لا نعلن تحرير مناطقنا ونرفع عليها أعلامنا، ونمنع كل من له صلة بالدولة والنظام من دخولها، فنحن صراعنا مع النظام، وليس مع الدولة، ونريد أن نطيح بالنظام، لا أن نطيح بالدولة في سورية.

نعلنها مناطق آمنة لكل السوريين، من الشعب بكافة أطيافه، أو من موظفي الدولة بكافة تخصصاتهم، إلا من جاء معتدياً على الأنفس والأموال والأعراض. نعلنها آمنة نخضع فيها لقوانين الدولة في كل شيء، إلا منها ما يمنعنا من المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ونبذل كل جهدنا لنوصل صوتنا وصورتنا إلى العالم أجمع، ولنفضح جرائم النظام على رؤوس الأشهاد، كي لا يبقى أحد من الناس مخدوعاً به. فنتمرد تمرداً سلمياً على النظام، المتمثل بقوى القمع والبطش، من مخابرات وشبيحة وفرق عسكرية، سواء منها من يوالي النظام بإرادته، ومن هو مغلوب على أمره ومُكْرَهٌ، لا يجرؤ على المخالفة والانشقاق، من مجندين إجباريين وغيرهم من العسكريين، الذين لا يرضيهم ما يؤمرون به من قتل للمطالبين بالحرية والديمقراطية.

          ندافع عن أعراضنا وأموالنا وأنفسنا حتى الموت، لكننا لا نهاجم أحداً، ولا نغزوا أحداً في أماكن تواجده أو في قريته، حتى لو اعتدى علينا منهم من يرتكب المذابح ويغتصب النساء، فإننا ندافع ونقاتل بكل سلاح متاح، فإما أن نقتلهم وإما أن نقتل لنكون شهداء عند الله، لكننا لا ننتقم بأن نهاجم قراهم أو ثكناتهم، ولا نرتكب المذابح، ولا نعتدي عليهم وعلى أسرهم كما اعتدوا علينا. لقد أذن الله لنا بالدفاع عن أنفسنا وأعراضنا وأموالنا، ولم يأذن لنا أن نعامل أبناء وطننا بالمثل، أي بأن ننتقم ونثأر، فنهاجم ونقتل ونغتصب، حتى لو كان ذلك يشكل رادعاً لهم عن المزيد من العدوان علينا. المعاملة بالمثل والمبادرة مشروعة عندما يكون عدونا دولة أخرى ونواجهه كدولة، أما عندما يتصارع فئات شعب واحد وأبناء أمة واحدة فليس مشروعاً لنا إلا الدفاع، بل إن وعد نبينا لنا أن من قتل دون عرضه أو ماله أو نفسه أو أهله فهو شهيد حض وحث وتحريض على الدفاع عن ذلك كله وبذل النفس في سبيله.

         عندما وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم يعتزمون غزو المسلمين جهز جيش العسرة وسار بهم إلى تبوك يريد أن يلقى الروم في عقر دارهم، وهو يومها لم يجد ما يجهز به رجاله من عتاد وغذاء إلا القليل، لأنه علم أن الهجوم خير وسيلة للدفاع فبادر إليه، لكن ربنا حرم الاقتتال الداخلي ضمن المجتمع الواحد ولم يسمح به إلا للمدافع عن نفسه أو ماله أو عرضه أو أهله، ونحن نؤمن أن ربنا لم يشرع لنا من الدين إلا ما هو خير ومنفعة لنا ودفع للضر والشر، وحل الخلافات بالسلاح ضمن الأمة الواحدة يعني الحرب الأهلية التي يخسر فيها الجميع، حتى لو في نهايتها تغلبت فئة على فئة، فإن تغلبها يسبقه ضحايا عديدة جداً من الطرفين وتخسر الأمة ما كان يربط أبناءها بعضهم ببعض، فيتحولون إلى أعداء، ربما لأجيال إن لم يكن لقرون، ويكون الوضع الجديد فيه غالب ومغلوب، وقاهر ومقهور، وجبار ومكره، وظالم ومظلوم، فلا يكون هنالك سلام حقيقي، ولا يمكن أن تعود الأمة متماسكة كما كانت من قبل.

         كل تحريم أو تحليل في دين الله هدفه المصلحة والمنفعة ودرء المفسدة، وليس تطبيقاً للمبادىء والقيم على حساب الناس وأرواحهم وأموالهم وأعراضهم. وتحريم الاقتتال بين مكونات الأمة الواحدة ليس من منطلق أنه لا يحل للمسلم أن يقاتل المسلم لأنهما مسلمان، فقد أحل الله للمسلم أن يقاتل المسلم عندما تبغي طائفة من المسلمين على طائفة أخرى، فأمر الله المسلمين كدولة وليس كأفراد، بمقاتلة البغاة حتى يفيئوا ويعودوا لأمر الله، لذا أتى الأمر بقتالهم مخاطباً المؤمنين كجماعة، وهذا يعني أن تكون لهم دولة، ويقومون بردع البغاة كدولة، أما كأفراد وجماعات ضمن الأمة الواحدة تريد أن تقاتل من يبغي، لتتحول القضية إلى حرب أهلية لا قواعد فيها للاشتباك، بل يقتل فيها المذنب والبريء، والكبير والصغير، والمرأة والرجل، ويكون فيها القتل على الهوية والانتماء العشائري والطائفي، فلا يحل ذلك حتى لو كانت فئة من المؤمنين قد بغت على غيرها من المؤمنين، نعم ندفع الصائل، ونرد المهاجم المعتدي، وندفع عن أنفسنا وأهلنا وأموالنا وأعراضنا، وفي الوقت نفسه نبقى متمسكين بالوسائل السلمية لحل الخلاف مع أبناء أمتنا وشركائنا في الوطن.

         قد يقول قائل كلامك صحيح إن كان البغاة مؤمنين مثلنا، لكن إن كانوا كفاراً يؤلهون بشراً فالأمر يختلف.! والحق أن الأمر لا يختلف، طالما كنا أبناء أمة واحدة، فحماية الأمة من الاقتتال الداخلي بين مكوناتها فيه المصلحة لهذه الأمة، سواء كانت كلها من المؤمنين، أو كانت أمة مختلطة فيها المؤمن والكافر، أو كانت أمة من الكفار، لأن تحريم لجوئهم إلى الاقتتال لحل خلافاتهم السياسية، فيه الخير لهم والمنفعة ودفع المفسدة، بغض النظر عن معتقداتهم، والتشريع الذي ينفع أمة مؤمنة، ينفع أمة كافرة إن هي أخذت به، وأعود إلى مثال ذكرته في مقالاتي السابقة وهو تحريم الإسلام للربا وفرضه للزكاة، وكيف لجأت أوربا وأمريكا في أزمتهم الاقتصادية الأخيرة إلى ما يشبههما، من أجل أن يتعافى اقتصادهم، إذاً تحريم الربا أو إلغاء الفوائد المصرفية بحكم القانون الوضعي، يفيد اقتصاد الأمة، بغض النظر عن معتقدات أفرادها، وكذلك ضخ الأموال في المجتمع للمحافظة على حد أدنى من القدرة الشرائية للناس، فلا تكسد البضائع وتفلس الشركات وتتفاقم الأزمة، وهو محاكاة للزكاة التي تضخ القليل من أموال الأغنياء في المجتمع بشل مستمر، ويكفي منها هذا القليل كإجراء وقائي استباقي.

          لو طبقنا ما شرعه الله لنا فسنسعد في هذه الدنيا، سواء كنا مؤمنين، أو كنا كافرين، أو كنا خليطاً من المؤمنين والكافرين. إن الغذاء النافع، والدواء الموافق للداء، ينفع الجميع مؤمنهم وكافرهم، وكذلك شرع الله وحلاله وحرامه، ينفع كل من يأخذ به ويطبقه، مؤمناً كان أو كافراً. وإن تحريم اقتتال أبناء الأمة الواحدة لحل خلافاتهم السياسية نافع لنا، حتى لو كان بعضنا كافراً، فالترياق ينفعنا من حيث أننا بشر، نشترك بإنسانية واحدة، ولدينا المشاعر والعواطف والدوافع النفسية المتشابهة، فكلنا إخوة في الإنسانية، ويصلح لنا ما يصلح للمؤمنين من شرع الله وهديه.

           ثم إن الكثير مما حرمه الله علينا ينطبق، حتى لو كان الطرف الآخر كافراً. فالزنا محرم، سواء كان بمؤمنة أو بكافرة، والسرقة محرمة، سواء كانت سرقة لمال مؤمن أو مال كافر.. صحيح أن التحريمات كانت موجهة للمؤمنين، وكان الخطاب للمسلمين، لكننا لسنا مثل بني إسرائيل الذين أحلوا لأنفسهم أموال ودماء وأعراض غير اليهود، لأنهم كفار بالنسبة لهم، وقالوا: ليس علينا في الأميين سبيل، كما حكى لنا ربنا في سورة آل عمران عندما قال: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) }.

          وأعود وأذكر بما قلته في مقالي الطائفية والثورة في سورية حيث بينت أن آية السيف، التي أمرت المؤمنين بقتال المشركين وقتلهم ما لم يؤمنوا أو يرحلوا من أرض العرب، كانت الاستثناء من القاعدة التي هي لا إكراه في الدين، والتي تحرم دماء البشر جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، إلا بالحق، وبحكم قاض نزيه عادل، أو دفعاً لصائل مهاجم معتدٍ. وكان هذا الاستثناء من أجل ضمان قيام دولة تحمي الاسلام من التحريف، وكان منطبقاً على المشركين العرب وحدهم في حدود ما كان يسمى أرض العرب وقتها، ولم يقم المسلمون بقتل مشرك من غير العرب لإجباره على أن يؤمن، وهم قد فتحوا بلاداً كثيرة، أهلها مشركون أو وثنيون يعبدون غير الله، فلم يستحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم، إلا بما منحته لهم قوانين الحرب المتعارف عليها في ذلك الزمان، من غنائم وامتيازات للأمة الغالبة.

           أن يكون لقاء المسلمين بسيفيهما لحل خلافاتهما السياسية محرماً والقاتل والمقتول فيه في النار، لا يعني أن لقاء المسلم بالكافر الذي يشاركه الوطن نفسه وينتمي للأمة ذاتها لحل الخلافات السياسية بينهما حلال، لمجرد أن الطرف الآخر كافر. كان المؤمنون في مكة قبل الهجرة مضطهدين، لكن لم يأذن الله لهم بالقتال الهجومي، إلا بعد أن صارت لهم دولة يقاتلون تحت لوائها متميزين عن غيرهم، أما عندما كانوا أفراداً في مجتمع مكة الذي اختلط فيه المؤمنون بالمشركين فإنهم لم يكن مأذوناً لهم بأي هجوم على المشركين حتى لو ظلموهم، ومع أن حقهم في الدفاع عن أنفسهم مكفول ومن مات دون نفسه أو ماله أو عرضه فهو شهيد فإنهم التزموا بالعزيمة، وهي أن يكفوا أيديهم مهما أصابهم من ظلم وعدوان، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وكلنا يعرف التهديد الذي أطلقه عمر بن الخطاب، عندما هاجر من مكة جهاراً نهاراً، وتوعد من يلحق به من المشركين بالموت، أي كان على استعداد لمقاتلة من يهاجمه، ولم ينكر عليه نبينا ذلك فيما بعد، لأن الإذن بالدفاع المحض عن النفس هو من المعروف، الذي تقبله نفوس البشر جميعهم، والإسلام جاء بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان الصحابة بلغوا مستوىً مثالياً في الأخذ بالعزائم التي أمروا بها.

          فحتى لو هاجم أحياءنا وبلداتنا شبيحة أو ميليشيا تنتمي لطائفة معينة، فإن لنا الحق أن ندافع بالسلاح ونقاتل، فنقتلهم أو نقتل، لكن لا نغزو قراهم، ولا نقتل أحداً من أهليهم أو عشائرهم ما لم يكن مهاجماً لنا. ومع أن هذا يعني إعطاء الأمان للطوائف والأقوام التي ينتمي إليها المعتدون، وعدم معاملتهم بالمثل، بل إعطاء الأمان لأسر وأقرباء من اعتدوا على أسرنا وأعراضنا، فإنه أبداً ليس وليد ضعف أو جبن أو تخاذل، ولا دليلاً على شيء من ذلك، إنما هو ضبط للنفس والتزام بشرع الله مع الثقة أننا بذلك سننتصر عليهم، فالقضية ليست حرب إبادة من طرف لطرف، إنما هي جهاد من أجل حياة أفضل لجميع السوريين مؤمنهم وكافرهم، ولا يتحقق هذا الهدف إلا بالامتناع عن مهاجمة أحد منهم، إلا انتقاماً وقصاصاً، إن كنا نعرف المعتدي منهم بشخصه، وتأكدنا من هويته، لكننا نميل إلى العزيمة ما استطعنا، لأنه لا بد أنها خير لنا مما رخص الله لنا فعله مراعاة لضعفنا البشري.

            في الجهاد من أجل الحرية والديمقراطية ودولة القانون والمواطنة، الهدف، هو تحييد أكبر عدد من أعوان الطاغية من أجل عزله، وتغيير مواقف أعوانه والمخدوعين به، والإبقاء على خط رجعة لهم، وعلى مكان لهم في دولتنا المنشودة، رغم تورطهم في الدفاع عن النظام الظالم.. ألم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"، مع أن من مات منهم في تلك اللحظة فإلى النار، أي كانوا مسؤولين عما يرتكبونه من فسق وعصيان، لكنهم كانوا لا يعلمون مصلحتهم أين، كما هو حال جند النظام وشبيحته الآن، فهم لا يعلمون أين هي مصلحتهم الحقيقية، ويظنونها مع النظام الجائر الظالم. الكثير من السوريين يجهلون عدالة القضية التي قامت من أجلها الثورة في سورية، وهم مغرر بهم، ومتوهمون أن الثورة إن انتصرت فستكون نهايتهم، وستقطع أرزاقهم وأعناقهم، ويظنون أنهم بدفاعهم عن النظام إنما هم يدافعون عن أنفسهم وعن أرزاقهم، ولا يعلمون أنهم يبيعون أرواحهم للمحافظة على مكتسبات عصابة متسلطة على البلاد والعباد، ومستأثرة بخيرات الوطن، وتتمتع بالكبرياء في الأرض على حساب كرامة باقي السوريين، حتى لو كانوا من طائفتهم أو منطقتهم، ما لم يكونوا موالين لهم ومستعدين للموت في سبيلهم.

             لن نكون قديسين، ولن نُدِر الخد الأيمن لمن لطمنا على الخد الأيسر، بل سنرد العدوان ونقاتل في سبيل أهلنا وعرضنا ومالنا حتى الموت، وهذا حق كفله لنا الإسلام، طالما أننا لم نحتمل أن نتلقى الاعتداءات، التي طالت أعراض نسائنا وأرواح أطفالنا، ندافع، ومن مات منا فهو شهيد، لكن لا نسعى إلى الثأر ممن لم يعتدِ علينا بنفسه، فنحن أمة العدل، ثم نحن في جهاد في سبيل الله، نطالب بحريتنا، وبأن نشارك في تقرير حاضر ومستقبل بلدنا، كما يشارك أي مواطن في دولة متحضرة، وليست العداوة شخصية، بل بمجرد أن نحصل على الحرية والديمقراطية ودولة المواطنة والقانون لجميع السوريين، نحتسب ما أصابنا عند الله، ونفتح قلوبنا لإخواننا مهما بلغت إساءاتهم لنا، ونبدأ معهم صفحة جديدة، أمة متحابة متماسكة، لا يفرقها عرق أو دين، تماماً كما يتحاب أعضاء الأسرة الواحدة، حتى لو اختلفوا في الدين أو العرق.. نعم نبدأ صفحة جديدة بلا أحقاد ولا انتقام.. أليس قتلانا شهداء وأحياء عند ربهم يرزقون؟ وهل يصنع الانتقام فرقاً بالنسبة لهم؟.

             لا تتعجبوا من هذا الكلام، فهذا ديننا، لا يلاحق فيه البغاة إذا ما هُزموا، ولا إذا ما كفوا عن القتال ومالوا إلى السلم والصلح، البغاة في المجتمع المسلم هم من يخرجون بالسلاح على باقي الأمة، لغرض سياسي، يغلب أن يجدوا له مبرراً دينياً. وما أسهل أن تجد في الدين تبريراً لما تريد إن كنت ذكياً وعالماً بالتفاصيل. قال الشافعي  رحمه الله تعالى في  كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة من كتابه الكبير "الأم": {والباغي خارج من أن يقال له حلالَ الدم مطلقا غير مستثنى فيه، وإنما يقال إذا بغى وامتنع، أو قاتل مع أهل الامتناع، قوتل دفعاً عن أن يَقْتُل، أو منازعة ليرجع، أو يدفع حقاً إن منعه، فإن أتى، لا قتال على نفسه، فلا عقل فيه ولا قود، فإنا أبحنا قتاله، ولو ولى عن القتال، أو اعتزل، أو جرح، أو أسر، أو كان مريضا لا قتال به، لم يقتل في شيء من هذه الحالات، ولا يقال للباغي وحاله هكذا حلال الدم، ولو حل دمه ما حقن بالتولية والإسار والجرح وعزله القتال}.

            وقال الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته: {والفرق بين الباغي والمحارب: أن المحارب يخرج فسقاً وعصياناً على غير تأويل، والباغي: هو الذي يحارب على تأويل، فيقتل ويأخذ المال، وإذا أخذ الباغي ولم يتب، فإنه لا يقام عليه حد الحرابة، ولا يؤخذ منه ما أخذ من المال وإن كان موسراً ، إلا أن يوجد بيده شيء بعينه، فيرد إلى صاحبه (4)} .

وقال أيضاً: {قال الحنفية والمالكية والحنابلة، والشافعية في أظهر القولين عندهم: لايضمن البغاة المتأولون ما أتلفوه حال القتال من نفس ولا مال، بدليل ماروى الزهري، فقال: «كانت الفتنة العظمى بين الناس، وفيهم البدريون، فأجمعوا ـ أي في وقائعهم كوقعة الجمل وصفِّين ـ على ألا يقام حد على رجل استحل فرجاً حراماً بتأويل القرآن، ولا يقتل رجل سفك دماً حراماً بتأويل القرآن، ولا يغرم مال أتلفه بتأويل القرآن» (2) ؛ ولأن البغاة طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل سائغ، فلم تضمن ما أتلفت على الأخرى كأهل العدل، ولأن تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة، فلا يشرع كتضمين أهل الحرب.}

          صحيح أن هذا الحكم هو في الأصل للبغاة من المؤمنين ضمن أمة مؤمنة، لكن لو تفكرنا في الحكمة من إسقاط الملاحقة عنهم، لوجدناها تتعدى كونهم مؤمنين ولهم اجتهادهم في الدين الذي قاتلونا من أجله، فالاجتهادات لا حدود لها ولا ضابط، ولا يعلم ما في قلوبهم من إخلاص لاجتهاداتهم إلا الله، لكن ذلك لا يغير من الحكم الشرعي شيئاً، ذلك أن الحكمة هي مصلحة الأمة في حقن الدماء وحماية أبنائها من المزيد من القتلى، حتى لو لم تتحقق العدالة لمن قتلوا أو عذبوا أو اعتدي عليهم خلال النزاع، لأن حفظ الأحياء مقدم على الانتقام والتشفي للأموات مهما كانوا عزيزين على قلوبنا، حيث الإصرار على الملاحقة لمعاقبة كل من ارتكب جرماً في هذه الحرب الدائرة الذي يدغدغ مشاعر من أصيبوا ومشاعر أسر الذين ماتوا، ثمنه سقوط المزيد من القتلى والمصابين، لأننا عندما نغلق باب التوبة في وجه هؤلاء الذين باعوا أنفسهم للنظام، يصبح دفاعهم عن النظام دفاعاً عن أنفسهم وعن وجودهم، فهم إن سقط النظام، لوحقوا وحوكموا وأعدموا وصودرت أموالهم، وهم أمام هذا المصير لا أمل لهم إلا في القتال مع النظام حتى الموت، أو ينتصر النظام وتكون لهم النجاة. هؤلاء بشر مثلنا ويحسبون الأمور بمدى المنفعة والضرر لهم، فإن طبقنا ما أمرنا به ديننا بخصوص البغاة منا مع أنهم قد يكونون كفاراً بالنسبة لنا، فإننا نستفيد من شرع الله، ونوفر أرواحاً كثيرة وآلاماً عظيمة، كانت ستستمر حتى يتم القضاء عليهم، هذا إن أمكن ذلك. نعم نغفر لهم، ومن الآن نعدهم بالعفو والمغفرة والأمان، حتى تصبح فكرة تخليهم عن النظام واردة عندهم، وبخاصة عندما يتبين لهم أن الأمل في بقائه ضعيف، طالما أنهم لن يكونوا أسرى ماضيهم، وسيمنحون الفرصة ليبدؤا حياة جديدة كمواطنين صالحين، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. لا تستهينوا بهذا العامل النفسي المهم الذي يجعل النظام معرضاً لأن يتخلى عنه المدافعون عنه في يوم من الأيام، ولا تستهينوا بتأثير المطالبة بالمحاكمة والانتقام ولو من خلال محاكمات عادلة في جعل هؤلاء المدافعين عن النظام لا يتخلون عنه، مهما بدى لهم أنه مهزوم وآيل للسقوط، لأنهم وقتها لا يدافعون عن النظام بل يقاتلون ويقتلون الأبرياء دفاعاً عن أنفسهم، ونكون نحن الذين ألجأناهم لهذه الاستماتة في الدفاع عن النظام، مع ما تعنيه من خسائر ومعاناة كان من الممكن تجنبها.

             في ديننا أحكام قد تبدو نوعاً من المثاليات، لكنها شرع من العليم الحكيم، لها غاياتها في تحقيق المصلحة لنا ودفع المفسدة، ولن يكون ذلك على حساب أسر الشهداء ولا المصابين ولا المغتصبات، بل يجب تعويضهم بسخاء من مال الأمة بعد الإطاحة بالنظام، التعويض المالي والمعنوي ماعدا الانتقام لهم، ويترك الانتقام للمنتقم الجبار الذي لا يضيع حقاً لأحد، وعلينا أن ننظر ونعتبر بالتاريخ القديم والحديث، لنرى إلى أي حد تحققت العدالة للذين قتلوا وعذبوا واغتصبوا خلال الحروب بعد أن هُزم المعتدون وحوكم بعضهم. هل يمكن اثبات التهم عليهم إن أنكروها؟ هل هنالك شهود عدول عليهم؟ هل هنالك أدلة وقرائن محفوظة تثبت جرائمهم؟ إن كنا نزعم أننا سنحاكمهم محاكمات عادلة المتهم فيها بريء حتى تثبت إدانته فلن نستطيع إثبات أكثر من واحد بالألف أو واحد بالمئة على أكثر تقدير من تلك الجرائم. لنكن واقعيين ولنتأمل هل تم القصاص لكل الضحايا في البوسنة والهرسك أو في رواندا، مع أن محكمة دولية تولت محاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم؟ صدقوني ليست إلا عدالة رمزية لا تشفي الغليل على الإطلاق، وكما قلت سيكون ثمن الإصرار عليها باهظاً من أرواح ضحايا كان يمكن إنقاذها وتجنيبها القتل أو الإصابة أو الاغتصاب.

            في ديننا حتى المجرمون قطاع الطريق لا يلاحقون بما ارتكبوا من قتل أو سرقة أو اغتصاب، إن هم تابوا من قبل أن يقعوا في قبضة الدولة. هذا واضح في قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} { سورة المائدة}. وقد اجتهد كثير من علماء الأمة في تفصيل ما يسقط عن هؤلاء وما لا يسقط عند توبتهم قبل القدرة عليهم، لكن الإمام الشوكاني وهو من أهم فقهاء الأمة أخذ بظاهر الآية فهو يقول في فتح القدير: { قوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} استثنى الله سبحانه التائبين قبل القدرة عليهم من عموم المعاقبين بالعقوبات السابقة، والظاهر عدم الفرق بين الدماء والأموال، وبين غيرها من الذنوب الموجبة للعقوبات المعينة المحدودة، فلا يطالب التائب قبل القدرة بشيء من ذلك، وعليه عمل الصحابة . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يسقط القصاص وسائر حقوق الآدميين بالتوبة قبل القدرة، والحق الأوّل ( أي الحق أنها تسقط كلها) . وأما التوبة بعد القدرة فلا تسقط بها العقوبة المذكورة في الآية، كما يدل عليه ذكر قيد {قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ}.

          وقال الطبري في تفسيره:  { عن عامر الشعبي  أن حارثة بن بدر خرج محارباً، فأخاف السبيل، وسفك الدم، وأخذ الأموال، ثم جاء تائباً من قبل أن يُقدر عليه، فقبل علي بن أبي طالب عليه السلام توبته، وجعل له أماناً منشوراً على ما كان أصاب من دم أو مال} . وقال أيضاً: { حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم"، وتوبته من قبل أن يقدر عليه: أن يكتب إلى الإمام يستأمنه على ما قتل وأفسد في الأرض: "فإن لم يؤمني على ذلك، ازددت فساداً وقتلاً وأخذاً للأموال أكثر مما فعلت ذلك قبل". فعلى الإمام من الحق أن يؤمنه على ذلك. فإذا أمنه الإمام جاء حتى يضع يده في يد الإمام، فليس لأحد من الناس أن يتبعه، ولا يأخذه بدم سفكه، ولا مال أخذه. وكل مال كان له فهو له، لكيلا يقتل المؤمنين أيضاً ويفسد . فإذا رجع إلى الله جل وعز فهو وليه، يأخذه بما صنع، وتوبته فيما بينه وبين الإمام والناس . فإذا أخذه الإمام، وقد تاب فيما يزعم إلى الله جل ثناؤه قبل أن يؤمنه الإمام، فليقم عليه الحد}. أي إن ادعى أنه تاب من قبل أن يقبض عليه لا يؤخذ بكلامه، ما لم يكن أعلن توبته قبل القبض عليه وأرسل للإمام أي الحاكم يعلمه بتوبته ويستأمنه}.

         إذن من قتل نفساً واحدة بلا حق كان في الإثم كمن قتل الناس جميعاً، ومع ذلك من تاب من القَتَلَة قطاع الطريق وقد قتل قبل توبته العشرات من الأبرياء، من تاب منهم قبل أن نقدر عليه ونأسره، وكنا متأكدين من ذلك، سقط عنه في الدنيا المسؤولية والمحاسبة على ما فعل، رغم أن ذلك يؤلم أهل المقتولين والمغتصبات والذين سرقت أموالهم، لكن هذا لا يعني سقوط العقوبة عنه عند الله، فالتوبة مهما كانت نصوحة وصادقة لا تسقط عن التائب حقوق العباد عليه، وهي لن تسقط عنه إلا إن هو أعادها لأصحابها أو هم سامحوه بها. وهنا الحكمة واضحة من جعل هذا العفو القانوني الدنيوي عن جرائم بشعة جائزة للمجرم التائب، وهذا الحكم مقصور على المجرمين المسلحين المحاربين للأمة، التي هي المقصودة بقوله تعالى يحاربون الله ورسوله، فالله جل في علاه لا يحاربه أحد ولا يقدر أحد لا على نفعه ولا على ضره، إنما ما يكون لله يعود على الأمة، كما نقرض الله عندما نتبرع بالمال لفقراء الأمة على سبيل المثال. الإسلام واقعي جداً وحكيم إلى أبعد الحدود، ومن يعلم حدود قدرة الحكومات على ملاحقة قطاع الطرق هؤلاء، وما تلقاه من صعوبة بالغة في القضاء عليهم واستئصالهم، وما يكلف ذلك من مال وأرواح تزهق في محاربتهم، لن يستغرب هذا الحكم الشرعي الذي شرعه الله، لا حباً بهم ولا رضىً بما صنعوا، بل ليشجعهم على التوبة والتوقف عن سفك الدماء وانتهاك الأعراض وترويع الآمنين. نترك لهم ما نهبوه ولانحاكمهم على ما ارتكبوه، مقابل أن يكفوننا شرهم ويتوقفوا عن إجرامهم، ولم يكلفنا الله أن نشق عن صدورهم لنتأكد هل توبتهم حقيقية وصادقة من القلب أم هي حيلة للتخلص من الملاحقة، المهم أن يعلنوا التوبة والعودة إلى حظيرة الأمة مسالمين لها يكفون أذاهم عنها من قبل أن يتم القبض عليهم، وأمرهم إلى الله بعد ذلك.

       ومرة أخرى هذا الحكم له نفعه للأمة إن طبقته، بغض النظر عن كون هذا الذي يحارب الله ورسوله مؤمن أو كافر، لأن التوبة الواردة في الآيات لم تقل كما هو الحال في مواقع أخرى تحدثت عن التوبة، لم تقل إنهم تابوا وأصلحوا أو تابوا وأقاموا الصلاة وما شابه، وهذا يعني أن التوبة المقصودة هي مجرد توبتهم من سلوكهم الإجرامي.

             مرة أخرى يجب تغليب المصلحة على العاطفة، ويجب تعويض من قتل أحد من أهله، ومن اغتصبت، ومن سرقت أمواله، وغير ذلك، التعويض السخي من مال الدولة، لأن القانون أسقط عن هؤلاء الملاحقة كي يشجعهم على التوقف عن المزيد من الإفساد في الأرض، وهذا لمصلحة الأمة ككل، وعلى الأمة أن تعوض المتضررين.

            ليس الذين يحاربون الله ورسوله كما جاء في هذه الآيات، أقل سوءاً وإجراماً من الشبيحة والمخابرات وأعضاء الفرقة الرابعة وغيرهم من العسكريين الذين يدافعون عن النظام، ولسنا أقل حاجة من الأمة المسلمة في الأحوال العادية لنقدم الإغراءات لهؤلاء المجرمين ليتوقفوا يوماً ما عن إجرامهم. علينا أن نكون أذكى من النظام وأن نطبق شرع الله في هذه المسائل التي نواجهها حالياً لنفوز بمنافعها، ولا نترك هؤلاء أسرى للنظام لا أمل لهم في الانفكاك عنه، مع أننا نكرههم ونكره ما يفعلونه كل يوم من فظاعات وجرائم تقشعر لها الأبدان، لكن الإقلال من الجرائم التي يمكن أن يرتكبوها قبل أن ننتصر عليهم يستحق منا أن نؤجل الانتقام منهم، وأن نحيلهم إلى الله الذي لا تضيع عنده الحقوق.

         حتى ينقذ الغربيون اقتصادهم المهدد بالانهيار طبقوا أحكام الإسلام دون أن يقصدوا ذلك، فنفعتهم، وحتى تنجح ثورتنا في تغيير واقعنا المأساوي في سورية علينا أن نطبق أحكام الله هذه، بغض النظر عن كون الذين سنطبقها بخصوصهم مؤمنين أو كفاراً، لا يهم، فهي ستنفعنا في كلتا الحالتين. ولا يهم أن نطبقها تعبداً أو من أجل المصلحة التي يمكن أن نحققها بتطبيقها، فعلى كلا الحالين ستتحقق المصلحة، وتبقى النية المخلصة شرطاً للفوز بالأجر والثواب من الله تعالى.

        إننا إن قلنا: إن الأحكام المذكورة تُلزمنا بما يخص المؤمنين وتبقى لنا الحرية بما يخص الكافرين، فإننا بذلك نفقدها تأثيرها في طوائف السوريين الذين يخشون على مستقبلهم إن سقط النظام وصار للإسلاميين السنة سلطة جزئية كانت أو كاملة، وهم محقون في تخوفهم، إذ ما يزال بعضنا يعمم النصوص التي جاءت في المشركين العرب زمن البعثة لتشمل كل من نعتبره كافراً، مع أن صحابة رسول الله لم يطبقوها إلا على المشركين العرب في المنطقة التي فيها حالياً دول مجلس التعاون الخليجي، وهم لم يعتبروا اليمن مشمولاً بها رغم أن العرب منه جاؤوا قديماً.

           كما أدعوكم لقراءة مقالاتي الخمسة السابقة عن الثورة السورية فقد بينت فيها كيف أن ديننا يتسع لمفهوم المواطنة الذي يتساوى فيه المؤمن والكافر، طالما أنهم مشتركون في وطن واحد وينتمون لأمة واحدة، ولا أحب أن أكرر هنا ما قلته هناك، لكنني أعيد التأكيد على أهمية أن تطمئن الطوائف في سورية على مستقبلها بعد زوال النظام، ولا بد من أن نبذل الجهد الصادق لننجح في تطمينهم وجذبهم إلى الثورة، لتكون ثورة لكل السوريين بمعنى الكلمة. ولن ننجح في ذلك إلا إن كنا صادقين فيما ندعيه، وإلا إن نحن أعدنا النظر في بعض الأفكار التي ورثناها من أسلافنا، فنعود إلى نصوص الإسلام نفهمها مباشرة كما فهمها الصحابة، ونراعي ما كان منها خاصاً بظروف تاريخية معينة، بخلاف القواعد الكبرى التي تنطبق على كل زمان ومكان، من مثل قوله تعالى: {لا إكراه في الدين}.

لقد كان الجيش السوري الحر إضافة عظيمة للثورة السورية، وبخاصة عندما أصر النظام إصراراً عنيداً غبياً على استفزاز السوريين ودفعهم إلى السلاح، وذلك بلجوئه إلى اغتصاب النساء وإكراه الناس على النطق بكلمة الكفر، ومن ثم تسريب ذلك في لقطات فيديو لتصل إلى الإنترنت ومنها إلى الفضائيات، وأعتقد أن أغلب ما تسرب كان مقصوداً تسريبه لاستفزاز السوريين الأحرار، الذين أصروا في البداية على تلقي الرصاص بصدورهم العارية وهم يهتفون لسلمية الثورة. السلمية أربكت النظام كثيراً، فهو لا يعرف كيف يتعامل معها، وقد استطاع أن يجرنا إلى الكفاح المسلح ظناً منه أنه سيقضي على الثورة بيسر وسهولة عندما تكون مسلحة، لأنه لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم، لكن حساباته كانت خاطئة، فكلما أمعن في جرائمه ومذابحه، زاد إصرار السوريين على التحرر منه مهما كان الثمن، رغم غرور النظام وغبائه، الذي لا يقل عن غرور صدام وغبائه، يوم أوحت له أمريكا أنها لا شأن لها بما سيفعله إن هو احتل الكويت، وكان ذلك فخاً له وغلطة تنتظرها منه، لتحقق مخططاتها في المنطقة، وأمريكا اليوم وغيرها يبعثون بالرسائل للنظام التي تشجعه على المزيد من البطش والإجرام في حق الشعب السوري، وهو يظن أنه مرغوب بقاؤه من أمريكا وإسرائيل، وأنها أطلقت يده يفعل ما يشاء ليقضي على الثورة، وفاته أنها تدفعه إلى الغرق في مستنقع آسن لن يخرج منه سالماً، فهو مع كل جريمة جديدة يرتكبها يخسر من أنصاره والمخدوعين به في سورية وخارجها، ولو كان يأمل في البقاء فإن ما يفعله عين الغباء، إذ من يريد البقاء حاكماً لهذا الشعب الأبي عليه ألا يخلق الثارات والأحقاد في نفوس أبنائه، أما إن كان يتوقع أن يرحل فعليه أيضاً لو كان يعقل أن يرحل برائحة طيبة كما يقول السوريون، كي يحتفظ لنفسه ولأولاده بمكان آمن في هذا الوطن، الذي سيكون من الصعب كثيراً عليهم أن يغادروه إلى غير رجعة.. النظام يعمل ضد ذاته سواء بقي أو زال، وما ذلك إلا لأنه مكون من أناس لا يجيدون السياسة على الإطلاق، وليسوا إلا شبيحة في بذلات أنيقة وسيارات فارهة ومكاتب فاخرة.

            تسليح الجيش السوري الحر شيء مهم جداً ومطلب للثورة لا تنازل عنه، لكن يجب ألا يكون ثمنه من استقلال سورية، ولا على حساب وحدتها. والذي أخشاه أن يقع الجيش الحر ضحية خداع وتغرير من قبل الغرب إذ يشجعه على تحرير الأحياء والبلدات ورفع علمه عليها وإقامة حواجزه فيها، مما يدفع النظام، إلى استخدام الطيران والصواريخ والدبابات لقصف المناطق المحررة للتغلب على الجيش الحر فيها، فتكون خسائر الجيش الحر وخسائر المدنيين رهيبة وتصبح المناطق المحررة في النهاية مهجورة من سكانها الذين تشردوا هنا وهناك. الجيش الحر يَعِدُهُ الغرب وبالذات الأمريكان أنه إن حرر مناطق مهمة فيمكن أن تفرض حظراً جوياً، وتعلن مناطق عازلة، تكون منطلقاً لتحرير سوريا كلها بدعمهم، الذي لن يأتينا منه إلا النذر اليسير، وبذلك يورطون الثورة في المزيد من الحرب الأهلية التي على المدى البعيد تحقق لهم أحلامهم في تقسيم المنطقة وربما وضع قواعدهم العسكرية فيها.

            لنذكر كيف فرضوا حظراً جوياً على جنوب العراق وشماله منذ عام 1991 دون أن يكون هنالك مناطق محررة، كما لنذكر كيف أن حظرهم الجوي هذا فشل في حماية أهل البصرة، الذين بطش بهم صدام وجنوده عندما انتفضوا، شر بطشة. كانوا مدنيين، وسحق المدنيين ممكن دون طائرات.. ولا ننسى ما عاناه الليبيون من صواريخ جراد التي كانت كتائب القذافي تقصفهم بها، رغم الحظر الجوي والقصف المكثف الذي قامت به طائرات الناتو.

           علينا أن نبدل استراتيجيتنا بأن نتحول إلى الدفاع فقط، ونعود إلى المظاهرات والعمل السياسي السلمي والإعلامي النشط، وأن يقتصر دور الجيش الحر على حماية المناطق الآمنة لا المحررة، حمايتها من شبيحة النظام ومخابراته وعسكرييه، مع الاعتراف للدولة من حيث هي كيان مؤسسي مدني ينظم حياة الناس أنها مازالت صاحبة الأمر وواجب لها الطاعة في كل ما يخص سير الحياة اليومية للناس، ونعود لنطالب بإسقاط نظام القمع والمخابرات التي تَعُدُّ على الناس أنفاسهم، وتتدخل في جميع شؤونهم، وتحرم عليهم أي نشاط مدني أو سياسي أو إعلامي لا يكون مكرساً لخدمة النظام وتحت رايته، ولنطالب بالديمقراطية وبدولة مواطنة وقانون، يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات على اختلاف أجناسهم وقومياتهم ولغاتهم وأديانهم وطوائفهم طالما هم سوريون.

            النظام يغيظه جداً إعلان المناطق المحررة، ويتعمد البطش بالأهالي وتجويعهم وقطع ما يملكه من حاجياتهم كالخبز والغاز والكهرباء والماء والهاتف والانترنت، وذلك ليعاقبهم على احتضانهم للجيش الحر، على أمل أن يأتي اليوم الذي يُرْهقون فيه ويملون حياة الحصار والنزوح والخوف والفقر، فيتخلون عن الجيش الحر وينقلبون عليه. علينا ألا نستهين بهذه الخطة الماكرة، وألا ننسى أن الأهالي بشر لهم حدود للتحمل، وهم وجدوا أنفسهم وسط الثورة دون أن يختاروا ذلك، ودون أن يكونوا قد اُعِدوا لذلك من قبل، لا نفسياً ولا فكرياً، فثورتنا كانت مرتجلة، والنظام بوحشيته لا يترك للثوار فرصة إعداد أحد ولا حتى أنفسهم، لذا ما لم نفكر من الآن ونحتاط للأمر، فقد يأتي اليوم الذي يتحقق فيه للنظام انقلاب الأهالي على الجيش الحر، وهذا وارد جداً إذا طالت الأمور ولم يستطع الجيش الحر أن يحسم الصراع لصالحه، وإذا استشعر الأهالي أن الأمل في الإطاحة بالنظام بسرعة قد خاب. لذا علينا تغيير استراتيجيتنا، وبخاصة أن تحرير المناطق مكلف جداً لنا، ولا يمكننا الاحتفاظ بها إلا عندما تتحول إلى خرائب مهجورة من سكانها.

                استراتيجية أمريكا وإسرائيل هي: إطالة الصراع في سورية، وتوريط جميع الطوائف فيه، وجر اللبنانيين إليه، على أمل تفتييت سورية ولبنان إلى دويلات طائفية متناحرة، فلا تقوم لسورية قائمة ولا بعد مئة عام. لذا هم سيمدون الثورة بما يبقيها مشتعلة، لا بما ينصرها على النظام، لأن إسرائيل تخشى من انتصار الثورة ومجيء حكم وطني ديمقراطي لن يكون صديقاً لإسرائيل، ولن يبقى ساكتاً على حقوق السوريين في الجولان والفلسطينيين في فلسطين، إذاً فليبق النظام ضعيفاً مستنزفاً، فهو إما أن ينتصر على الثورة، ويكون وقتها منهكاً ومكروهاً من الغالبية العظمى من السوريين، وبالتالي يكون مستعداً لأن يقدم لإسرائيل أكثر بكثير مما قدم من قبل، وإلا فليتحقق حلم إسرائيل في تقسيم سورية ولبنان بعد أن أنجزت تقسيم العراق.

يجب ألا تغرنا أعذارهم وحججهم بأن المعارضة السورية غير موحدة، وبأن الجهاديين دخلوا على الخط ويحاولون اختطاف الثورة، وبأن روسيا والصين تعيقان جهودهم لنصرة الشعب السوري، فلو أرادوا أن يفعلوا لأعدوا لذلك عدته، ولما صعب عليهم رغم كل ما يقولونه من حجج وأعذار.

هم يريدون من الثورة تنازلات لصالح إسرائيل أعتقد أنه لن يجرؤ أحد من المعارضة أو الثورة على إعطائها، فالسوريون ذاقوا طعم التحرر من الاستعمار الأجنبي ولن يعودوا إليه، وهم اليوم يسعون للتحرر من الاستعمار الداخلي، الذي أذلهم نصف قرن من الزمان. السوريون أغلبهم قومي النزعة، أو إسلامي، وليس فيهم من هو على استعداد لأن يتعاون مع إسرائيل على حساب استقلال البلاد وكرامتها، ولو كان المقابل ترك النظام يسقط. نريد إسقاط النظام، ولكننا لا نريد إسقاط الدولة، ولا نريد التحول إلى الفوضى والحرب الأهلية، و ما تجره من آلام ومآسٍ يكون الخلاص منها في التقسيم. لا تستقيم حياة الناس دون دولة تنظمها، ورغم عيوب دولتنا فإنها يقيناً خير من الفوضى. لذلك علينا أن نحافظ عليها، ونحرص على بقاء مؤسساتها المختلفة من وزارات ومحاكم ومدارس ومؤسسات استهلاكية وجامعات ومعامل قطاع عام وشرطة سير وموظفي الماء والكهرباء، وغير ذلك مما لا يمكنني عده الآن، ولو كان ثمن ذلك أن نتخلى عن نشوة الفوز التي نحس بها عندما نعلن تحرير مناطق وبلدات. نحن لا نحارب الدولة وإن كانت دولتنا تعاني من فساد كثير من موظفيها من أصغرهم إلى أكبرهم، لأن فسادهم ناتج عن ممارسات النظام الأمني الذي يسخر كل شيء من أجله، ويقرب إليه الذين ينافقون له، ويضطهد المخلصين للبلد، ما لم يوالونه ويوافقونه على أخطائه ويكون إخلاصهم له مقدم على إخلاصهم للبلد.. نحن نحارب النظام الذي أفسد الدولة وحولها إلى خادم له ولأطماعه.

            صحيح أن إيران وفرنسا وروسيا ضد هذه الاستراتيجية الهادفة إلى تفتيت المنطقة، لكن التقسيم وقيام دويلات طائفية تواليهم خير لهم من فقدان كل شيء، إن انتصرت الثورة وبقيت البلاد موحدة يحكمها أبناؤها المخلصون المنتخبون ديمقراطياً، فكما وافق تقسيم العراق هوى إيران فشاركت فيه، فإن تقسيم سورية ولبنان، إن تعذر بقاء النظام مسيطراً عليهما بكاملهما، يعني قيام دولة علوية ودولة شيعية، كلاهما ولاؤه لإيران مضمون وغير محدود، وإيران كدولة ذات مطامع وطموحات في المنطقة لا تبالي بمعاناتنا، إنما يهمها تحقيق مصالحها ولو على حسابنا. وفرنسا ليست الأخرى أحرص علينا من إيران، ولئن استحال عليها الاحتفاظ بكامل سورية ولبنان منطقة نفوذ لها، فإن التقسيم يضمن لهل ولاء دولتين طائفيتين هما الدولة العلوية والدولة المسيحية، وكما قال فقهاؤنا ما لا يدرك كله لا يترك جله، والعاقل لا يترك القليل إن استحال عليه الاحتفاظ بالكثير، إنما تؤخذ الدنيا غلاباً. أما روسيا فأعجز من تقف في وجه مشاريع إسرائيل وأمريكا في منطقتنا وقوفاً ثابتاً لا تراجع فيه.

              علينا ألا نشكك بنوايا المعارضين والثوار الذين يخالفوننا بالرأي، حتى إن كانت آراؤهم تلتقي مع رغبات النظام مثل رفض التدخل الخارجي العسكري، فليس كل من يرفضه عميل للنظام، وعلينا أن نتيقن أننا إن شاء الله تعالى سنسقط النظام إن نحن غيرنا استراتيجيتنا وتحولنا إلى إعلان مناطق آمنة لا مناطق محررة، وتحولنا من الهجوم والدفاع إلى الدفاع فقط. ومن المعروف عسكرياً أن الدفاع أهون وأقل كلفة، وينجح بما يتيسر من السلاح، وبذلك لا نكون مضطرين لتقديم التنازلات لأحد من أجل الحصول على الأسلحة المتطورة، وكلما استغنينا عنهم كلما فرضنا عليهم شروطنا، فهم دائماً يخشون أن ننتصر وتخرج الأمور من يدهم، لذا يحافظون على العلاقة معنا والتظاهر أنهم يدعموننا وأنهم مستعدون لتقديم المزيد، كي يكسبوا معنا جميلاً، نرده لهم إن انتصرنا وفاجأناهم بانتصارنا من دونهم، وهذه الاستراتيجية ستكون أرحم بالأهالي بخاصة أن النظام لن يكون حريصاً على قصف المناطق الآمنة التي نعلنها كما هو حريص على قصف المناطق المحررة، وإن هو قصف المناطق الآمنة التي تعترف بسلطة الدولة في جميع النواحي المدنية فإنه سيخسر كثيراً من الناحية الأخلاقية حتى أمام أنصاره، وسيقل احتمال أن ينقلب الأهالي على الجيش الحر بفعل الدمار والتشريد الذي يوقعه بهم النظام، لأنهم سيرون بوضوح، أن ما يقوم به النظام من جرائم ضدهم لا يبرره شيء على الإطلاق، وأن الجيش الحر لا يعتدي على أحد، إنما هو يحميهم من بطش الشبيحة والمخابرات والجيش.

            سياسة الهجوم التي يتبعها جيشنا الحر حالياً تجعل جرائم النظام وقصفه للمناطق المحررة مبرراً في نظر الكثيرين، والنظام كما نذكر جميعنا ادعى وجود جماعات مسلحة منذ بداية الثورة، كي يقنع أنصاره ويبرر أمامهم وحشيته وجرائمه، فهم بشر ولا يخلون من الحس الأخلاقي والقيم الإنسانية. فلو تحولنا إلى الدفاع، وعدنا إلى النشاطات السلمية، واعترفنا بالدولة من دون النظام الأمني، فسنحرمه من المبررات التي يجدها في عملياتنا العسكرية الحالية.

               ثم إن استراتيجية الهجوم واستهداف العسكريين الذين أكثرهم مجبرون، يحولهم إلى أعداء للثورة، لأنها لا تقدر ظرفهم ولا ترحمهم، بل تقتلهم وتباهي بذلك، نحن بحاجة إلى كسب قلوبهم وتعاطفهم، وعلينا إن استسلم لنا أحدهم أو أسرناه أن نتلطف به، لا أن نقتله ونباهي بذلك، فيضطر غيره من بعده إلى الاستماتة في معاركه معنا، لأنه يعلم أن الأسر يعني الموت، وحب الحياة فطرة عندنا جميعنا.

       ولنكن صرحاء مع أنفسنا فنراجعها وننتقدها كي نصحح أخطاءنا ونتعلم منها. المعروف للجميع أن الاستراتيجية المثلى في حروب العصابات والمقاومة الشعبية هي "اضرب واهرب"، كي تجعل العدو مستنفراً باستمرار لا يقدر على الراحة والاسترخاء أبداً لأنه لا يعلم متى تأتيه الضربة المؤلمة، أما الثوار فيضربون ثم يختفون يتحينون الفرص لضربات جديدة، وهكذا مع الوقت يرهق العدو ويستنزف ويصبح مستعداً لتقديم التنازلات التي يسعى إليها الثائرون. وكلنا يعلم أن من الخطأ في حروب العصابات والمقاومة الشعبيةمحاولة الاحتفاظ بأي أرض، لأن ذلك يستوجب حمايتها وحماية سكانها من بطش النظام، ويستوجب تأمين حاجات الناس فيها، ويستلزم الموت من أجل الاحتفاظ بها، وليس خافياً أن القوى غير متكافئة في سورية بين الثورة الشعبية والنظام الذي يملك جيشاً منظماً وطيراناً وصواريخ ومدفعية وحتى أسلحة كيماوية، وهو يحارب معركة وجود أو فناء بالنسبة له، ولا يلتزم بأية ضوابط أخلاقية أو دينية أو قانونية، ولن يتورع عن أي شيء في سبيل البقاء والنجاة والمحافظة على مكتسباته.

أرى أن تحرير المناطق استراتيجية غير موفقة، وأن الظن أن النظام سيسقط بهذه البساطة ظن خاطىء، فهذه الاستراتيجية ستستنزف قوانا بينما قوى النظام متجددة، فهو يجند شباب سورية من جميع الطوائف ويزج بهم في المعركة، ولا يهمه من يموت منهم فكل يوم لديه مجندون جدد من أبنائنا، لذا لن يؤلمه كثيراً أن نقتل كل يوم العشرات من الجنود، فهم ليسوا أبناء عمته ولا أبناء خالته، هم أبناؤنا نحن وأغلبهم مُكْرَه على القتال ضد الثورة لكنه ضعيف غير قادر على الانشقاق. المهم ليس كسباً أن نقتل المزيد من أبنائنا المغلوبين على أمرهم، ونحن نظن أننا قد أصبنا النظام إصابات مؤلمة حقاً ومؤثرة.

        إن إعلان المناطق المحررة يشكل عبئاً ثقيلاً على الثوار، ولا كسب منه يستحق كل الجهد المبذول فيه، إذ لا يهم أي يكون العلم المرفوع بنجمتين أو بثلاث نجمات، ولا يهم أن تسير حياة الناس اليومية تحت راية الجمهورية العربية السورية أو تحت راية الائتلاف الوطني أو الحكومة المؤقتة طالما أن معيشة الناس ستكون مؤمنة أكثر والثوار متفرغين للحماية والنضال السلمي أكثر. إن تحرير المناطق والدفاع عنها بوصفها مناطق محررة استهلك كل الطاقات، فتراجع النضال السلمي من مظاهرات واضرابات وإعلام تراجعاً كبيراً، وصار كل الأمل معقود على الحسم العسكري، والانتصار على النظام بالسلاح وحده.

      الحروب قد تطول دون أن تنحسم، وبخاصة عندما يكون هنالك من يمد هؤلاء وهؤلاء ليستمروا في القتال والدمار، حتى يأتي اليوم الذي نرضى فيه بالتقسيم، بل قد نطالب  به مطالبة، ونسعى إليه بكل طاقتنا. الحرب الأهلية اللبنانية استمرت خمسة عشر عاماً ولم تنحسم لصالح أي من الطوائف المتحاربة، رغم الدمار والقتل الرهيبين الذين عانى منهما لبنان واللبنانيون، والحرب بين شمال السودان وجنوبه استمرت أكثر أربعين عاماً على فترتين ولم تنحسم حتى رضي الشمال بالتقسيم، والفوضى والحرب الأهلية في الصومال مستمرة من أكثر من عشرين عاماً رغم أن الصوماليين كلهم تقريباً طائفة واحدة، فكل قبائلهم من أصل عرقي واحد، وكلهم تقريباً مسلمون، وكلهم تقريباً سُنَّة، وكلهم تقريباً شافعيون، ولا يفرقهم إلا انتماء كل منهم إلى قبيلته وعصبيته لها، مع وجود مئات قليلة من المسيحيين والشيعة. أي أن ما يوحد الصوماليين أكثر بكثير مما يوحد السوريين، ومع ذلك نجحت الفتنة لديهم في تدمير الدولة وقتل مئات الألوف إن لم يكن الملايين، سواء بالسلاح أو بالمجاعات. فهل لو وصلنا إلى الحرب الطائفية بين مكونات الشعب السوري واللبناني سنكون أحس حالاً؟

       لا تخلطوا بين الاستراتيجية التي تصلح لمحاربة عدو خارجي وتلك التي تصلح لمقاومة عدو داخلي، فإن الحكمة تكون في وضع كل شيء في موضعه المناسب، ولْنُجْرِ حسبة بسيطة في أذهاننا، فحتى لو استطاع الثوار أن يقتلوا كل يوم مئة من جنود النظام، أي ثلاثة آلاف كل شهر، وستة وثلاثين ألفاً في السنة، فلن يأتي يوم لا يبقى فيه لدى النظام رجال يقاتلون دفاعاً عنه. النظام غبي في أمور السياسة، لكنه مجرم وماكر فيما سواها، وهو يدفع بالمجندين من أبنائنا ومن كل طوائفنا ويجعلهم في المقدمة، لأن خسارة أي عدد منهم لا تؤلمه، فهو قادر على تعويضهم بما يسحبه للتجنيد الالزامي من شباب الأمة كل يوم، وقد يستدعي الاحتياط ويزج بهم في معركته ضد الثورة، وهو يحرص على أن تكون خسائره من الرجال المخلصين له أقل ما يمكن. ومن ناحية أخرى فكما دخل الجهاديون غير السوريين على الخط وجاء الكثير منهم ليقاتل مع الثورة، فإن النظام يستغل مشاعر الشيعة بكافة طوائفهم، وسيجد منهم جهاديين يتصورون أنهم إن ماتوا دفاعاً عنه، ماتوا دفاعاً عن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن النظام ومن يدافع عنه من أبناء الطائفة العلوية لا ينتمون إلى التشيع إلا بالاسم، فهم ليسوا متدينين أبداً، ولا يصلون ولا يصومون ولا يحجون ولا يبنون المساجد في قراهم، لكن سياسة إيران رغم أنها لا تعترف بهم كشيعة حقيقيين، وحرصاً منها على مصالحها، ستجعل الفتاوى بوجوب الدفاع عن هذا النظام على أنه دفاع عن آل البيت وشيعتهم تنهمر على جماهير الشيعة في المنطقة، وسيكون هنالك مغررون كثيرون من إخوتنا الشيعة في المنطقة كلها على اختلاف فرقهم مستعدون أن يضحوا بأموالهم وأرواحهم دفاعاً عن النظام السوري، الذي لا يؤمن بدين إلا دين استكباره على باقي السوريين واستغلاله لخيرات البلاد واستخدامه لباقي العباد.

     من أجل المكاسب السياسية يتم استغلال المتدينين من كافة المذاهب، ويزج بهم في معارك يحسبونها جهاداً في سبيل الله، وهم لا يدرون أن المصالح السياسية وحدها هي الغاية، ولا يدركون أنهم ضحايا للنظام من نوع آخر.

         إنه لا في الثورات ولا في الحروب يكون الحسم عسكرياً محضاً، اللهم إلا عندما تكون هنالك قوة ساحقة تجعل العدو يستسلم دون قيد أو شرط، كما استسلمت اليابان لأمريكا بعد قنبلتين ذريتين أبادتا كل شيء في هيروشيما وناكازاكي. لذا علينا أن نعود إلى السياسة والوسائل السلمية ونعتبرها هي الأصل، وهي وسيلتنا الأولى للإطاحة بالنظام، وتبقى القوة العسكرية لمجرد الدفاع عن الأنفس والأموال والأعراض. يجب أن نسعى لإسقاط النظام مع المحافظة على الدولة وعلى وحدة أراضيها، وإلا لكان الأولى بنا ألا نثور، بل نصبر وننتظر حتى يأتي الفرج من عند الله. نريد إصلاح بناء بلادنا، لا هدمها أولاً ثم بناءها، فالهدم سهل لكن إعادة البناء شاقة وتحتاج للكثير، فلنسعَ إلى تخليص سورية من نظام القمع والإذلال والاستئثار بالخيرات، لنوجد نظاماً يدافع عن حريتنا وكرامتنا ويضمن لكل السوريين المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وهذا لا يستلزم هدم الدولة وإعادة بنائها من جديد، إنما هو إصلاح للدولة السورية القائمة، واستئصال للمفسدين فيها الذين ندعوهم بمجموعهم النظام. النظام شيء غير الدولة، والنظام في سورية هو العدو وليست الدولة ككيان من مؤسسات وتشريعات تنظم معيشة الناس وتسعى لتأمين حاجاتهم. نريد إصلاح دولتنا ولا نريد تدميرها على أمل إنشاء دولة مكانها تكون كما نحلم، لأنه إن هدمنا دولتنا الحالية تحولنا إلى الفوضى وشريعة الغاب ولن نستطيع أن نوجد النظام من قلب الفوضى. علينا أن نحافظ على الدولة السورية ونسعى في إصلاحها لأن ذلك أهون كثيراً جداً من هدمها والعمل على إنشاء دولة جديدة. لقد اهتزت الأرض من تحت النظام السوري الذي لم يخطر له ببال أن يرى في سورية شيئاً مما شهدته بلدان عربية أخرى من ثورات، واستطاعت الثورة أن تقضي على هيبته في عيون السوريين، وهذا يكفي وعلينا العودة بالثورة إلى مسارها الأصلي ثورة سلمية ولكل السوريين وإن كانت محمية بالسلاح.

        ولا بد لي من الرد على شبهة أثارها الدكتور البوطي وهو يحاول حماية النظام حتى من مجرد المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية، وهي ادعاؤه أنها مع باقي أشكال العصيان المدني خروج على حاكم لم يجاهر بالكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان. صحيح ما يقوله من أنه لا يجوز الخروج على الإمام أي الحاكم أو السلطان ما لم يستعلن بالكفر الذي لا تأويل له ولا شك فيه، لكن الخروج المقصود بالتحريم هو التمرد والثورة المسلحة، حيث لا ترد عبارة الخروج على السلطان أو الإمام في كتب التراث ولم يوصف بها فعل إلا حمل السلاح والثورة العنيفة على الحاكم، وكان الأمر بديهياً للمسلمين القدامى لدرجة أن معجماً موسوعياً مثل لسان العرب لم يفصل في شرح معنى الخروج على السلطان رغم أنه خصص حوالي ألفي كلمة لتبيين معاني خَرَجَ ومشتقاتها، ومثله القاموس المحيط ومختار الصحاح، لكن معجم اللغة العربية المعاصرة يقول: {خرَجَ على الحاكم : تمرّد وثار عليه ونبذ طاعته  - خرَج عليه: برز لقتاله}. إذ لم يكن الناس يعرفون أسلوب اللاعنف والعصيان المدني والمظاهرات السلمية في النضال من أجل التغيير السياسي، إنما كان خروج المسلمين على حكامهم دائماً مسلحاً، وهجومياً مبادراً في كل مرة، وكان دائماً يبدأ بنزع الاعتراف بشرعية الحاكم بتأويل فقهي أو غيره، وينطلق محاولاً الإطاحة به بقوة السلاح. هذا هو الخروج على الحاكم أو السلطان أو الإمام، ولن يصعب على أي منكم أن يبحث من خلال الغوغل أو غيره ليستعرض ما قيل عن أمثلة الخروج في تاريخنا، ليتأكد من أن المقصود به كان دائماً الخروج الهجومي المسلح المبادر، وحتى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى للخروج على السلطان أو على الأمة فقد روى مسلم في صحيحه عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةً. وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا. وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ». وفي رواية لنفس الحديث في مسند أحمد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «من فارق الجماعة وخرج من الطاعة فمات فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب برها وفاجرها، لا يحاشي مؤمناً لإِيمانه ولا يفي لذي عهد بعهده فليس من أمتي، ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبية، أو يقاتل للعصبية، أو يدعو إلى العصبية فقتلة جاهلية».

           كما روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ. فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ. فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِىءَ. وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ. وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لاَ . مَا صَلَّوْا» وفي مسند أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب، وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب، وتقشعر منهم الجلود، فقال رجل: أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا، ما أقاموا الصلاة».

            وروى مسلم في صحيحه عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللّهِ فَبَايَعْنَاهُ. فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا. وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. قَالَ: «إلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». والمقصود بالأمر الذي علينا أن لا ننازع أهله عليه هو الحكم .. وفي رواية أحمد في مسنده للحديث نفسه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ولا ننازع الأمر أهله، نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم، - قال سفيان زاد بعض الناس- ما لم تروا كفراً بواحاً». وسفيان هذا هو راوي الحديث عن جده عبادة.

            نعم الخروج على الحاكم المسلم بالسلاح لا يجوز إلا أن يُظْهِر هذا الحاكم الكفر الصريح الذي لا يختلف فيه المسلمون، لكن الطاعة الواجبة للحاكم بالمقابل ليست طاعة مطلقة وعمياء، فالأحاديث واضحة أنه لا طاعة إلا في معروف، وأن العصيان فريضة إن أمر الحاكم مسلماً كان أو غير مسلم بمعصية. ومن جهة أخرى فإن  إنكار المنكر في الإسلام واجب على كل مسلم، كل بحسب استطاعته وسلطته، فالذي له سلطة وحق الأمر  في مجال من المجالات، عليه أن يغير المنكر بيده فيما له فيه سلطان، والذي يستطيع تغيير المنكر بلسانه، أي بالكلمة، سواء كانت مكتوبة، أو مرسومة، أو هتافاً في مظاهرة سلمية، أو من خلال الفن التمثيلي، أو الغناء، أو أي وسيلة من وسائل التعبير باللسان، أو بما يقوم مقامه كالإنترنت، فعليه ذلك، إلا إن خشي على نفسه أو أهله أو ماله أو عرضه من الأذى، عندها يكون له الخيار: إن شاء أنكر المنكر وتحمل الأذى، فكان مجاهداً، وإن قتل فهو سيد الشهداء، وإن شاء صبر وصمت وأنكر بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، بينما هو ينتظر الفرصة المواتية لينكر المنكر بلسانه. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وَذلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ». وروى أحمد في مسنده  عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم منهم أنت الظالم فقد تُوُدِّعَ منهم». وفي رواية ثانية عند أحمد: «إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: أنت ظالم، فقد تودع منهم».

            نحن مأمورون بتغيير المنكر بيدنا في المجالات التي تقع تحت سلطتنا، وبلساننا فيما عدا ذلك إلا أن نخشى على أنفسنا فبالقلب وحده، وهذا ينطبق على المنكر أياً كان الواقع فيه حاكماً أو محكوماً، أميراً أو مأموراً.. هذا وإن كان في قوانين الأرض للسلطان حصانة من الملاحقة القضائية ما دام على كرسي الحكم، فإن الإسلام لا يعطيه أية حصانة، ويوجب على الرعية أن تقوِّمَه، لكن دون استخدام العنف، وذلك بأن تنصحه، فإن لم يستجب تنتقده على رؤوس الأشهاد، فإن لم يستجب تضغط عليه بالطرق السلمية التي ابتكرتها البشرية من مظاهرات وملصقات وإضرابات وغير ذلك، فإن لم يستجب وكانت أغلبية الأمة تطالبه بالتغيير دون فائدة، تكون المطالبة بعزله وتولية غيره، لكن دون عنف.. وفي سبيل الضغط عليه كي يستقيم ويرفع ظلمه عن المظلومين لا بد من عصيانه، لأنه بالتأكيد سيأمر الناس أن لا يتظاهروا وأن لا يُضْربوا، فإن هم أطاعوه، يكونون قد قصروا في تغيير المنكر وإنكاره، ويكونون قد أطاعوه في معصية ومنكر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه مسلم في صحيحه: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ. إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ». وقال فيما رواه أحمد في مسنده: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل». والرواية المشهورة لهذا الحديث هي: "لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ".

              والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة، وقربة إلى الله، وواجب على المؤمن قدر استطاعته وعلمه في جميع أحواله حاكماً كان أو محكوماً، يقول تعالى في آل عمران: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ[110]}، ويقول في سورة الحج عن المؤمنين إن صارت لهم دولتهم ومكن الله لهم في الأرض: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[41]}. إذن كل صور الاحتجاج والضغط على الحاكم إن كان ظالماً أو مقصراً مشروعة، إن لم تكن واجبة ومفروضة كفرض كفاية، شريطة أن نمتنع عن العنف بكل أشكاله، وإن كانت الأساليب المستجدة لم تعرفها البشرية في عصور الإسلام الأولى ولم تذكر فيما أمرنا به، فإننا في الوقت نفسه لم نُنْهَ عنها ولم تحرم علينا، والأصل في الأمور الإباحة إلا ما يثبت تحريمه بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وبالتالي لا وجاهة لرأي من يطلب من الأمة أن تطيع حكامها في كل شيء عدلوا أم جاروا، وتحرم عليها عصيانهم في أي شيء حتى لو أمروها بالسكوت على المنكر والظلم.

             والخروج المحرم هو الانتفاضة المسلحة المهاجمة والمبادرة للقتال، أما القتال دفاعاً عن النفس والأهل والمال والعرض فمشروع، ومن يقتل فيه فهو شهيد عند الله، وهو ليس خروجاً على الحاكم حتى لو كان مقاومة لعدوان جنده ورجال أمنه، فالدفاع عن النفس حق لكل إنسان كائن من كان المعتدي عليه، والحاكم ببيعة أو بلا بيعة لا يحل له أن يعتدي هو أو رجاله على أموال أو أعراض أو دماء أحد من رعيته، والنظام في سورية وقبله في مصر واليمن وليبيا استعان بالمجرمين لقهر الناس وإخضاعهم، ولو كان عدوان الحاكم على المحكوم تم بوسائل قانونية وبحكم قضائي لوجب الطاعة دون مقاومة عنيفة، بل تكون المقاومة السلمية باللسان وغيره كالعصيان المدني، حتى رفع الظلم واستعادة الحق، لقد أباح الله للمظلوم أن يفضح الظالم بكل وسائل التعبير غير العنيفة، قال تعالى في سورة النساء: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)}.

             أما مع ما نراه من النظام من بطش غير منضبط لا بقانون ولا بشرع ولا بأخلاق، بطش المجرمين القتلة واللصوص وقطاع الطرق، فإن لنا الحق في الدفاع عن أنفسنا بكل الوسائل وحتى نموت في سبيله أو نرد العدوان، والمخابرات والشبيحة والفرقة الرابعة وغيرها لا يتصرفون كما تتصرف الدول التي لتصرفاتها ضوابط مهما كانت هذه الضوابط فيها ثغرات، لكن هؤلاء يحاربون الثورة بوحشية همجية غابت عنها كل معايير الانضباط والتقيد بنظام او قانون شأن الحكومات والدول، وهو ما من أجله ودرءاً للفتنة وجبت طاعة الحكام وإن جاروا، طالما أن الوضع ما يزال وضع سلطة منظمة تتصرف ضمن قانون معلن حتى لو كان قانون طوارىء، فقانون الطوارىء رغم سمعته السيئة يبقى قانوناً، لكن ما يمارس في سورية الآن هو الوحشية والفوضى واللانظام المنفلت من أية ضوابط أخلاقية أو قانونية، وهذا يفقد النظام أي حق على الناس أن يطيعوه كما عليهم طاعة أميرهم حتى لو أخذ مالهم وضرب ظهرهم، ولهم وقتها أن يقاوموا ظلمه بالوسائل السلمية، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان أنه قال: {قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرَ. فَجَاءَ اللّهِ بِخَيْرٍ. فَنَحْنُ فِيهِ. فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَـذَا الْخَيْر شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إنْسٍ» قَالَ قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ. وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ. وَأُخِذَ مَالُكَ. فَاسْمَعْ وَأَطعْ». }..

             الأمر بالطاعة وتحريم العنف هدفه درء الفتنة والفوضى والهرج، والخروج بالسلاح محرم من أجل ذلك للمحافظة على السلم الأهلي. لكن النظام عندنا  هو الذي ينشر الفتنة والفوضى والهرج، لذا لم يعد النظام نظاماً، بل هو عصابة من المفسدين في الأرض لنا الحق في دفعهم وحماية أنفسنا وأهلنا وأموالنا وأعراضنا، وعلينا أن نتعاون في ذلك حتى لا يستفرد هؤلاء القتلة بأي منا لضعفه، أي لا ننظر حتى يكون العدوان علينا شخصياً، فالأمة كيان واحد يدافع عن نفسه، لكنه يتقيد بالضوابط الشرعية والأخلاقية، فلا يمارس أعمال الانتقام التي يتم فيها الاعتداء على من لم يمارس العدوان بنفسه ضد الأمة حتى لو كان المعتدي أباه أو أخاه، أي ننتقم إن قدرنا من القاتل نفسه والمغتصب نفسه لا من زوجته أو ابنه أو أخيه أو قريبه، نعم في الحروب بين الأمم يمكن أخذ الثأر من أي محارب ينتمي للعدو حتى لو لم يكن هو الذي ارتكب العدوان فقتل واغتصب وسلب.. أما في الصراع بين مكونات الأمة الواحدة فلا يمكن أن تزر وازرة وزر أخرى، بل تبقى المسؤولية فردية، وكل معتدٍ مسؤول عن عدوانه، يحمل الإثم ويتحمل العقوبة والانتقام وحده، كما هو الحال في كل الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الجناة، فيحملون مسؤولية ما اقترفوه ولا ننتقم من غير الذي اعتدى كما كان حال العرب عندما يأخذون ثأرهم من أبناء عشيرة القاتل أو أسرته، فهذه عودة إلى الجاهلية ستدخل البلاد والعباد في فتنة عظيمة يفرح لها أعدؤنا وتحقق لهم ما يتمنونه من تفتيت لبلادنا وأمتنا.

               النظام دائماً يدعي أن هنالك مؤامرة على سورية كونية تريد الإطاحة به لصموده وممانعته، ذلك أنه يرى نفسه هو سورية ولا يرى معه أحداً غيره من السوريين، والحق أنه بالفعل هنالك مؤامرة من أمريكا وإسرائيل على سورية تهدف إلى دفعها إلى الحرب الأهلية الطائفية وتدميرها ثم تفتيتها، وعلينا تفويت الفرصة عليهم، لكننا على يقين أن النظام السوري ليس هو المستهدف بهذه المؤامرة.. هي مؤامرة على البلد وعلى الأمة، وليست على النظام الذي يحقق لهم ما يريدون بقصد وغير قصد، فيدفع الأمور بالاتجاه الذي يحبون لها أن تتجه إليه، وهو بغبائه وضيق أفقه وتمسكه بمكاسبه شريك في هذه المؤامرة، لأنه منذ البداية حاول تحويل الثورة من عصيان مدني سلمي إلى ثورة مسلحة طائفية، إنه متآمر على البلد والأمة وليس أرحم بهما من إسرائيل وأمريكا عندما يتهدد وجوده ومكاسبه، ألم يقولوا: الأسد أو لا أحد، والأسد أو ندمر البلد؟.

          لقد مدح الله المؤمنين بأنهم إذا بُغِيَ عليهم أي أعتدي عليهم ظلماً "هم ينتصرون" أي يدفعون الظلم عن أنفسهم وينتصفون وينتقمون ممن ظلمهم، ولا محاسبة لهم على ما ارتكبوه من انتقام وانتصاف طالما أنهم لم يعتدوا أي لم يكونوا هم البادئون ولم يعتدوا بأكثر مما اعتدي عليهم، ولم ينتقموا ممن لم يعتد عليهم بنفسه أو يشارك في العدوان عليهم.. قال تعالى في سورة الشورى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}.. وواضح لنا في هذه الآيات الكريمة التشجيع على المغفرة والعفو مع إباحة الانتصار في وجه الظلم والبغي، وعدم ذمه، بل اعتباره مما يمتدح الله به المؤمنين. وابن منظور في لسان العرب يفسر كلمة انتصر بما يلي: {وانْتَصَر الرجل إِذا امتنع من ظالِـمِه. قال الأَزهري: يكون الانْتصَار من الظالـم الانْتِصاف والانْتِقام، وانْتَصَر منه: انْتَقَم}. لكن في جهاد كالذي نحن فيه في سورية، علينا أن نضبط أنفسنا، ونحتسب قتلانا وجرحانا ومصابينا عند الله، لأنهم إنما أوذوا في سبيله، ولا نسعى وراء الثأر والانتقام من غير المجرمين الذين اعتدوا علينا، هذا إن لم نستطع الصبر دون الانتصار لأنفسنا والصبر خير وأحب إلى الله وأعظم أثراً في حسم الصراع لصالحنا.

           نعم ندافع حتى الموت، لكن نصبر بعد ذلك كي لا تتحول الثورة إلى ثارات تغلب عليها الطائفية، إلا إن تمكنا من الانتقام من الشخص الذي اعتدى علينا بذاته، لا من أهله أو من عشيرته أو بني طائفته. هذا مادام الصراع قائماً، فإن حسم لصالحنا إن شاء الله، عفونا كما أمرنا الله، وأجرنا عليه، وتعويضنا في الدنيا على الدولة والأمة.

               قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: «مَن قُتِلَ دُونَ مالِه فهو شَهيد». وقال فيما رواه أحمد في مسنده: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد». وروى النسائي في سننه الصغرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». كما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللّهِ . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ».

             وهذه الأحاديث تثبت شرعية الدفاع عن النفس والمال والعرض بالسلاح وبدونه، وإذا قتل المدافع فهو شهيد، وله أن يقتل من يريد الاعتداء عليه أو على عرضه أو على ماله كائناً من كان، وليس في ذلك شبهة الخروج المحرم ولا الاقتتال الذي يكون القاتل فيه والمقتول في النار. فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ. أَلاَ ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا. وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا. أَلاَ، فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ». قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلاَ غَنَمٌ وَلاَ أَرْضٌ؟ قَالَ: «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَليَدُقَّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ. ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ. وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». وهذا الحديث يدعو من أكره على المشاركة في الفتنة ولم يجرؤ على الانشقاق لأن يكون سلبياً ولا يرتكب أية جرائم ولو أدى ذلك لاستشهاده، فهو شهيد ويبوء قاتله بإثمهما معاً كما باء ابن آدم الأول الذي قتل أخاه.

       وختاماً لا بد لنا لتنجح ثورتنا وتحقق ما نريده نحن لا ما يريده النظام أو يريده أعداؤنا من أن:

ü      نحافظ على الدولة في سورية ونميز في كفاحنا بينها وبين النظام الذي نسعى للإطاحة به.

ü      نحافظ على وحدة السوريين كأمة لا يفرق بين مكوناتها عرق أو دين أو لغة، فلا نثير ما يفرق طوائف السوريين ويحولهم إلى إخوة أعداء.

ü      نحرص على تخفيف معاناة الأهالي ما استطعنا فنحن لا ندري كم ستطول هذه المعاناة ومتى ستجعلهم ينقلبون علينا.

ü      لتكن مطالبنا واقعية ولنرضَ بالحلول الوسط حقناً للدماء وحفاظاً على وحدة بلدنا الحبيب. ولنعلم أن ما لا يتحقق لنا اليوم يمكن أن يتحقق لنا في المستقبل إن مضينا في نضالنا لكن دون المزيد من الدمار والقتل والتشريد.

ü      أن نذكر أن أول ما يقضى به يوم القيامة الدماء، سواء كانت دماء مؤمنين أو دماء كافرين، فالتي حبست هرة حتى ماتت جوعاً ستدخل النار، فكيف بنا إن قتلنا بشراً ولم نكن متيقنين أننا نقتله بحق بغض النظر عن دينه وطائفته.

ü      ولنذكر أن القتال الوحيد في الحالة السورية الراهنة الذي لا شك في مشروعيته وفي استحقاق الشهادة لمن يموت فيه هو قتال الدفاع عن النفس والأهل والمال والعرض، لأن قواعد الجهاد ضد أمة أخرى معتدية علينا لا تنطبق على قواعد الجهاد ضمن المجتمع الواحد والأمة الواحد مهما تنوعت مكوناتها.

ü      ولنذكر أن الهجوم ومبادرة الأعداء شيء حميد طالما كان عدونا من غير أمتنا، لكن ضمن الأمة الواحدة (أقصد الأمة السورية) لا يحل لنا إلا الدفاع عن أنفسنا وأعراضنا وأموالنا، ويكون أفضل الجهاد قولة حق عند سلطان أو حاكم جائر ظالم. وإن اختلاف مكونات الأمة السورية دينياً لا يلغى حق السوريين على بعضهم بعضاً بالتراحم والتعاون، مثلما لا يلغي اختلاف الزوجين في الدين حق كل منهما بالمودة والرحمة، حتى لو كان أحدهما بمنظور الآخر كافراً، كما تكون الزوجة المسيحية عند زوج مسلم.

ü      مهما كان كرهنا للنظام ولمن يؤازره كبيراً يجب أن يكون حبنا لسورية الموحدة أكبر، فلا ننزلق في الاعتقاد أن أي نتيجة ستكون خيراً من بقاء النظام، حتى لو كانت تفتيت ودمار البلاد وقتل العباد وتشريدهم، علينا أن نكون رحماء بأنفسنا وبباقي السوريين وأن لا نستعجل الأمور إلا إن ضمنا أن الثمن لن يكون فادحاً، ولنذكر أننا لا نستأذن الأهالي ونحن نزج بهم في أتون المعركة، لذا علينا بذل كل ما نقدر عليه لحمايتهم وتقليل مصائبهم بسبب الثورة، وإن كانوا في النهاية وعند انتصارنا سينتفعون بالنصر وزوال النظام من على صدورهم.

ü      لا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى.

ü      22/11/2012

 

 

 

C.A. DROITS HUMAINS

5 Rue Gambetta - 92240 Malakoff – France

Phone: (33-1) 40921588  * Fax: (33-1) 46541913

E. mail achr@noos.fr   www.achr.nu www.achr.eu

 

 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها

الصفحة الرئيسة