*المصطفى صوليح El Mostafa Soulaih
إنما هي أربع ملاحظات ارتأيت أن أدلي بها تجاه هذه التجربة الفريدة من نوعها بغض النظر عن خلفياتها، أي تجربة جامعة الدول العربية بشأن مراقبة تطور الوضعية في سورية. و في حين أن هذه الملاحظات تركز على أجندة المجموعة (ب) الموفدة من قبل قيادة بعثة الجامعة إلى محافظة حمص، حيث قضيت أزيد من شهر، لمراقبة مدى وفاء الحكومة السورية لخطة العمل الموقعة بينهما، فإن كل المسعى من نشرها الآن، بعد مرور قرابة خمسة أشهر على مغادرة سورية دون أن تبذل لا الجامعة و لا قيادة بعثة مراقبيها أي جهد في سبيل إنجاز تقييم داخلي كان على الأقل سيفيد بعثة المراقبين الدوليين الحالية في تجاوز نفس الفخاخ التي عاقت سابقيهم، هو إعطاء صورة شخصية حول الكيفية التي جرت بها المأمورية و إغناء مذكرات المعنيين ذوي الصلة بالموضوع و تحفيز آخرين من المبعوثين للدلو بآرائهم، و هكذا:
أولا ـ مراقبة دون تهيئ للمراقبين: كانت يومية الأشغال، إبان إقامتنا، من 26 إلى 29 دجنبر 2011، في دمشق بفندق إيبلا، و ذلك قبل توزيعنا إلى مجموعات، تتم كما يلي: نفيق صباحا. نتناول وجبة الإفطار. نلتحق بقاعة الاجتماع. يلتحق بنا كل من السيدين نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية و السيد رئيس البعثة. بعد التحية و السلام يقدم لنا هذا الأخير بيانات حول ما توصلت به البعثة من معدات. و حول أعداد المراقبين القادمين من دول عربية أخرى. مع التأكيد في كل اجتماع على ضعف الميزانية المرصودة إلى الآن و التي يصفها بكونها لا تتعدى 01 مليون دولار. مفسرا ذلك بتلكؤ الدول العربية الأعضاء في الجامعة في أداء نصيبها من الدعم المالي لهذه العملية. الشيء الوحيد الذي بقيت، دون جدوى، أنتظر التطرق إليه في كل اجتماع هو نفسه الشيء الوحيد الذي تم تغافله، إنه المتعلق بتخصيصنا بدورة تكوينية مكثفة تبين لنا، على الأقل، الخريطة الاجتماعية و السياسية لسورية و هياكلها بما فيها مكونات المعارضة الداخلية و المجتمع الأهلي غير الحكومي الفاعل، وتوضح لنا خريطة كل من الصراع السلمي و الصراع المسلح في هذا البلد، و تزودنا بنوعية الأسلحة المتداولة فيه و ميزاتها و خريطة تواجدها و جيوب تنقلاتها،،، و غيرها من الحيثيات ذات الصلة. مسألة أخرى كثيرا ما حيرتني، و هي المتعلقة بالغياب التام لأي أثر للأمم المتحدة و لخبرائها في عمليات المراقبة، هل يكون ذلك بسبب ما يشاع حول كون السيد رئيس البعثة هو مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بدعوى جرائم ضد الإنسانية قد يكون شارك في اقترافها في إقليم دارفور أو كان وراءها؟ بغض النظر عن ذلك، إنه في أكثر من اجتماعين كاد عديد من المراقبين أن يتجاوزوا حدود اللباقة تجاه السيد الدابي حين أصروا على تعرف، بشكل إجرائي، ما المطلوب من المراقبين أن يقوموا به في الميدان؟ و ما الكيفية التي عليهم أن يسلكوها في ذلك؟ و بواسطة أية أدوات؟ و في حالة عدم توقف إطلاق النار، ما الضمانات على ألا يكون المراقبون موضوع قنص أو أي أشكال الإصابة الميدانية؟ الواقع أنه كما أن عملية المراقبة هاته هي أولى تجارب جامعة الدول العربية فإن تنفيذها عن طريق مراقبة مدى وفاء الحكومة السورية بتعهداتها، بحماية المواطنين السوريين العزل، الموقعة عليها بناء على بروتوكول متابعة تطورات الوضع في بلدها، هو جديد كذلك بالنسبة لنوعية المراقبين(ضباط جيش، ديبلوماسيون أغلبهم موظفون في وزارات خارجية بلدانهم، إعلاميون، قانونيون، حقوقيون)، الذين وقع عليهم الاختيار لـمراقبة: ـ مدى التنفيذ الكامل لوقف جميع أعمال العنف؛ ـ التأكد من عدم قمع المظاهرات السلمية؛ ـ الـتأكد من الإفراج عن المعتقلين ذوي الصلة؛ ـ التأكد من سحب و إخلاء جميع المظاهر المسلحة؛ ـ التحقق من تحرير المجال الإعلامي،،،،، على كل حال، لقد تم تزويد كل مراقب بقميص برتقالي اللون على جانبه الأيسر رمز جامعة الدول العربية، و ببطاقة تعريف (بطاقة منظمات دولية مؤقتة) صالحة لمدة شهر من تاريخ الإصدار، تحمل نسخة من نفس الصورة الشخصية الموجودة في جواز سفر المراقب، صادرة عن وزارة الخارجية و المغتربين السورية، و شارة صدرية مكتوب عليها عبارة "بعثة مراقبي الجامعة العربية" و رقم المراقب، حيث كان رقمي أنا هو رقم 77، و كذا شريحة برقم هاتفي وطني سوري مسجلة باسم المراقب الذي تسلمها و وقع على ذلك، معبأة بنصف ساعة من المكالمات المجانية على أساس أن نجدد نحن تعبئتها بحسب حاجتنا إلى ذلك. غير أن الجديد بالنسبة لأغلب المراقبين هو أن السيد رئيس البعثة، الذي كان يبدو كمالك لناصية الوضعية الميدانية السورية، سرعان ما أعلن عن كونه سيقود، على رأس 05 متطوعين من مجموع المراقبين عملية زيارة ميدانية إلى إحدى المناطق الموصوفة بأنها الأكثر سخونة في سورية، كانت هي محافظة حمص. بالفعل، قام بإنجاز الزيارة(يوم 27 دجنبر)، و تحت زخات رصاص متبادل تم التمكن من الاستماع إلى بعض من ساكنة حي بابا عمرو حيث يتساكن كل من رموز للمعارضة السلمية الداخلية و المعارضة المسلحة التي تكونت على أيدي ضباط و جنود انشقوا عن الجيش النظامي و أعلنوا انحيازهم للشعب السوري و قدموا أنفسهم باعتبارهم حماة للمواطنين العزل، علما بأن هذه الساكنة هي محاصرة بالتمام و الكمال حيث الحواجز الأمنية تحيط بها من كل جانب و صوب. و فوق ذلك، وطن في محافظة حمص أربعة من المراقبين الذين صاحبوه إليها، و بعد أن قدم لنا، إثر عودته، تقريرا مقتضبا حول ذلك، أخبرنا بأنه يعتزم معاودة هذه الزيارة صباح الغد(يوم 28 دجنبر) فاختار من جديد مجموعة إضافية من المراقبين لمرافقته إلى هناك. و ذلك على أساس أن يستعد مجموع المراقبين المتواجدين في دمشق لكي يلتحقوا يوم الغد، أي يوم 29 دجنبر 2011، بعد أن يتم التوزيع إلى مجموعات من 10 أعضاء، كل واحدة تتجه إلى واحدة من المناطق التالية تحت رئاسة عضو ستتم تسميته في حينها: منطقة حمص و ريفها، منطقة دمشق و ريفها، منطقة درعا و ريفها، منطقة إدلب و ريفها، منطقة حماة و ريفها و منطقة حلب و ريفها، مع إمكانية التوسع نحو محافظات أخرى؛
ثانيا ـ مراقبون عرب متنوعون من حيث المشرب و التخصص و الخبرة لكن أغلبهم عراقيون شيعة: في حين أن معظم أعضاء بعثة المراقبة ينتمون إلى وفود حكومية رسمية و أن من بين 32 عضو عراقي كان 31 منهم شيعة، كنا نحن المنتمون إلى هياكل المجتمع المدني الدولي الإقليمي غير الحكومي نمثل أقلية عددية ضمن هذه البعثة: إذ بالإضافة إلى نشطاء من المنظمة العربية لحقوق الإنسان (القاهرة، فرع دمشق)، كنا من اللجنة العربية لحقوق الإنسان – باريس أربعة أعضاء، بعد أن رفضت سلطات مطار تونس العاصمة السماح لخامسنا بمغادرة تونس نحو القاهرة فدمشق بدعوى عدم توفره على تأشيرة الدخول إلى التراب الوطني المصري، ثم تقلص عددنا إلى ثلاثة أعضاء، أنا من المغرب و آخر من مصر و غيرنا من تونس، بعد أن غادرنا رابعنا في يوم الاثنين 09 يناير 2012 عائدا إلى فرنسا، التي يقيم لاجئا سياسيا فيها رفقة أسرته، إثر الحملة الإعلامية التي، بحسب زعمه، تم حبكها ضده عبر مختلف وسائل الإعلام الفضائي و الإلكتروني، لكن المفاجئ أنه سرعان ما ظهر، يوم الثلاثاء 10 يناير 2012 باستوديو قناة الجزيرة الفضائية بقطر.
بصعوبة كبيرة تعرفت أنه تم تقييدي ضمن المجموعة (ب) الموفدة رفقة المجموعة (أ) إلى محافظة حمص، و بصعوبة أكبر تعرفت رئيس هذه المجموعة. لكن في الطريق من دمشق إلى حمص توصلت بلائحة أعضاء مجموعتي. و هي المجموعة التي أصبحت، في ما بعد، تتألف من 05 أعضاء عراقيين، أحدهم يقدم نفسه على أنه شارك في عدة حروب لكنه يرفض تبيين صفته أو رتبته و إثنان يزعمان بأنهما موظفان لدى وزارة الخارجية العراقية أحدهما تم تعيينه رئيسا للمجموعة و كان أصغرنا سنا، و آخران رجلا أمن هما اللذان تكلفا بسياقة سيارتي المجموعة (ميرسيديس سوداء مصفحة S555 و لاند كرويزر مهدتان من دولة العراق)، و اثنان من موريطانيا أحدهما سفير و الثاني ضابط جيش رتبته عميد،و كذا تألفت المجموعة من سوداني مستشار لدى وزارة خارجية بلده و ضابط جيش مغربي رتبته عقيد (جنرال) و واحد مصري محام – نشيط حقوقي، قيادي في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، و انضاف إلى المجموعة بعد ذلك أردنيان و آخر ضابط جيش سعودي.
لست أدري كيف كانت تنتظم أشغال المجموعات الأخرى الموطنة في المحافظات الأخرى، أما مجموعتنا (ب) فلم تخضع لأي تنظيم معروف. غير أني، بعد أن قوبل كل إلحاحي على وضع خطة مرنة لأجرأة أجندتنا بالإهمال، أدركت أن رئيس المجموعة، سواء بمبرر أمني أو من تلقاء ذاته أو بإيعاز من قيادة البعثة في دمشق أو لغرض في نفس يعقوب و هو التخمين الأقرب من الصحة، لن يحيد قيد أنملة عن منواله اختصرت ذلك الإلحاح في الإصرار على الاطلاع على التقرير اليومي قبل إرساله الأمر الذي، هو كذلك، لم يتحقق أبدا، كما اختصرته في ترديد عبارة: "إن الذين يتملقون الحكومة السورية هم أسوأ حلفائها". و هكذا: ـ لم نجتمع كمجموعة عمل و لا مرة واحدة من أجل وضع جدول الأعمال أو من أجل تقييم و تقويم منجزاتنا اليومية، كل ما كان يحدث هو إخبارنا في أية لحظة بأننا سننقسم إلى لجنتين أو ثلاثة لجان، واحدة تمكث في الفندق للاستماع إلى شكاوي الأهالي، و الأخرى أو الأخريتان تتجهان للقيام بعملية تفقد أو زيارة أو خرجة ميدانية،،، ـ أغلب الزيارات أو التفقدات أو الخرجات التي تحققت بشكل عادي هي تلك التي تتم بطلب من سلطات المحافظة من أجل دحض خبر بثته قناة الجزيرة أو من أجل التأكد من خراب تعرضت له إحدى المؤسسات الحكومية السورية أو من أجل حضور جلسة استنطاق في مركز "الأمن السياسي" أو "المخابرات العسكرية" حيث لا تبدو على الموقوفين أية آثار للتعذيب و حيث "يعترف" كل واحد من هؤلاء الموقوفين بهدوء و دون أي تمحص، رغم علمه بأنه سيتعرض للإعدام، بأنه ارتكب تحت تأثير أقراص مهلوسة جرائم قتل و اغتصاب و تنكيل بمواطنين مقابل أجرة كان يستلمها من شخص بعينه!!. ـ معظم الزيارات أو التفقدات أو الخرجات التي كانت تبوء بالفشل هي تلك التي كان من المفترض القيام بها نحو الأحياء المعارضة بطلب هاتفي من شباب أو شيوخ محليين لمعاينة قتلى أو جرحى و آثار تدمير إثر قصف تعرض له أحد هذه الأحياء، فهذه سرعان ما كانت تنتهي عند بوابة الفندق حيث نفاجأ، بشكل متزامن، بسماع أزيز الرصاص بالقرب منا أو بتحذير لنا من قبل أفراد الشرطة و الجيش الموضوعين لـ "حمايتنا" بأن الوضع غير آمن و أنه يصعب مغادرة الفندق،،، ـ الأغرب من كل ما سبق هو مثلا حين رأينا بأم أعيننا و ليس ادعاء من قبل المعارضة و في واضحة النهار دبابتين تغادران ثكنة المخابرات العسكرية في اتجاه مجهول، و هو خرق سافر لأحد بنود خطة العمل التي تعهدت الحكومة السورية بالوفاء بها المتعلق بإخلاء المدن من الآليات العسكرية الثقيلة، اجتمع رأي الأشقاء العراقيين و الموريتانيين على ألا نصور و ألا نسجل ذلك بدعوى أن خروج هاتين الآليتين قد يكون فقط بغرض التزود بالوقود!!! و الأغرب من كل هذا، في مثل آخر، أن هؤلاء الأشقاء كان من الصعب المستحيل إقناعهم بأن التجمعات التي كانت تحتشد حولنا في الأماكن الآمنة أي الأماكن الموالية للنظام، رافعة شعار "شبيحة إلى الأبد من أجل جمال عيونك يا أسد" لم تكن مظاهرات احتجاجية سلمية لم يقمعها النظام و بأن التجمعات التي كانت تحتشد حولنا في الأحياء المشتعلة أي الأحياء المعارضة رافعة شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" لم تكن هي بدورها مظاهرات احتجاجية سلمية لم يفرقها النظام بالعنف و ذلك لسبب بسيط هو أنه لا وجود في مثل هذه الأحياء لا للدولة و لا لأجهزتها القمعية و لا لخدماتها المدنية و كذا لا وجود لوسائلها الإعلامية.
ثالثا ـ مراقبة بواسطة مراقبين شبه محتجزين في فندق سفير، الفندق الوحيد قيد التشغيل داخل محافظة حمص: أكتفي هنا، بالنسبة لهذه الملاحظة، بنشر نصي التوصيتين اللتين لم أكن أتعب من الإلحاح على أن يتضمنهما التقرير حول البرنامج اليومي و منجزاته الذي كان من المفروض أن يبعث به رئيس المجموعة، يوميا، إلى قيادة البعثة المقيمة في دمشق: النص الأول:"منذ التحاق المجموعة (ب)، يوم 29 دجنبر 2011، بمحافظة حمص لم تنشئ، أية علاقات مع منظمات سورية غير حكومية محلية أو وطنية حيث إن المنظمة السورية الوحيدة المسماة "المرصد السوري لضحايا العنف و الإرهاب" التي لسنا ندري لماذا هي بالضبط التي تحظى بامتياز الإقامة كجارة للمجموعتين (أ) و (ب) من المراقبين في نفس إقامتهما، بل و لا تترك فرصة استماع مراقبي المجموعتين لأي من المشتكين دون أن تعيد معه الاستماع إليه مع استعمال التسجيل بالكاميرا و مد قناة "الإخبارية السورية" و قناة "الدنيا" السورية الرسمية هي بدورها بأشرطة ذات صلة، الأمر الذي يشوش على حيدية عملية المراقبة و يسيء لها. كما أن المجموعة (ب) لم تستمع في مقر إقامتها إلا لأفراد يتم تقديمهم من قبل أعوان السيد محافظ حمص في مجملهم يتهمون "مسلحين ملثمين غير حكوميين" أو "المعارضة" أو "الثوار يلي: "للبعثة حرية الاتصال و التنسيق مع المنظمات غير الحكومية و مع المسؤولين الحكوميين و مع من تراه من الأفراد و الشخصيات و عائلات المتضررين من الأحداث الراهنة". البند 4 من المادة 4 من نفس البروتوكول الذي ينص علي "ضمان حرية إجراء اللقاءات و الاجتماعات اللازمة للبعثة لأداء مهامها". و كذا البند 5 من نفس المادة الذي ينص على: "ضمان عدم معاقبة أو الضغط على أي شخص بأي شكل من الأشكال و أفراد أسرته بسبب اتصاله مع البعثة أو تقديم شهادات أو معلومات لها". بناء عليه: أ ـ يرجى من السيدين رئيسي المجموعتين (أ) و (ب) التدخل لدى السلطات السورية ذات الصلة من أجل إسكان أفراد المنظمة إياها في أي فندق آخر يليق بمقامهم. ب ـ يرجى من قيادة البعثة بدمشق، أن تولي الموضوع كبير اهمامها، و ذلك عن طريق تعميم نشر، عبر وسائل الإعلام السورية بلاغا تدعو فيه جميع هياكل المجتمع الأهلي غير الحكومية، و غيرها من الأفراد، أن تطلب لقاء مراقبي جامعة الدول العربية و أن تتقدم للاتصال بهم حيثما تواجدوا و بأية وسائل للاتصال، الشخصي المباشر أو غير المباشر، مع تذكير كل من هذه الهياكل و هؤلاء الأفراد بالضمانات التي تكفلها بنود البروتوكول الثلاثة، المعاد تسطيرها أعلاه، من أجل إعمال و تفعيل الاتصال بالمنظمات غير الحكومية، تعزيزا للثقة في المراقبين و ضمانا للموضوعية في متابعة تطورات الوضع في سورية". النص الثاني: "... فهل سيتم توفير مكتب خاص بالمجموعة في مكان مناسب من تراب حمص، مجهز بخط هاتفي و ملحقاته و بالأثاث المكاني اللازم و بغيرها من المرافق الصحية الضرورية، و ذلك لتفادي مثل هذه الاحتكاكات الجوارية التي قد تكون عفوية أو تكون مبيتة و غيرها من صعوبات جمع المعلومات التي يطلب المواطنون السوريون الإدلاء بها لممثلية بعثة جامعة الدول العربية في حمص وفق ما ينص عليه البروتوكول؟ و كذا لتجنب الحصار و التأويل الإعلامي الذي تضربه بشكل مفرد و وحيد قنوات التلفزيون و البث الإذاعي السوريين الرسميين حول أجندة المجموعتين المكلفتين بالمراقبة في حمص؟". النتيجة؟ لم يتم تحقيق أي شيء من هذا المطلوب.
رابعا ـ مراقبون عرب لم يبرئهم أحد من الشبهة: "بيننا و بينكم كتاب الله"، "أيها العرب، لا تشهدوا إلا بما تسمعونه منا و ترونه بعيونكم"، "مرحبا بكم، لكن من فضلكم لا تساعدوا حكام البترودولار على تحقيق خطتهم الهادفة إلى الإنزال العسكري الأجنبي أو العربي لتخريب سورية و تعجيزها"،،،، بهكذا عبارات تشكيكية كان السوريون في الأحياء الآمنة يستقبلوننا، و ذلك طيلة الأسبوع الأول من وصولنا إلى حمص. أما الإعلام الرسمي، عبر برامجه الإخبارية و الحوارية، فكان، طيلة نفس الأسبوع، يأكل الثوم بأفواه فلسطينيين و لبنانيين و روس و غيرهم ليرفع من درجة التشكيك إلى مستوى التهديد المبطن ضدنا،،، كما اكتشف اثنان منا جهاز تنصت تحت سرير نومهما. بموازاة مع ذلك:"مرحبا بكم، لا تؤاخذونا على تلكئنا في استقبالكم، إنهم يتربصون بنا و نحن لا نعرفكم شخصيا"، "ها هي بقايا الأسلحة التي يحاربنا بها الأسد،،، ها هي بعض المباني التي تم قصفها منذ التمكن من إسكات صوت الاحتجاجات السلمية قبل وصولكم إلى هنا ببضعة أيام"، "تفضلوا، أنا أب و هذه أم الشهداء الثلاثة الذين اغتالهم شبيحة الأسد الذين يرضيهم بقاء الجولان محتلة من قبل اليهود،،، لكن اليهود على كل حال لا يهدرون أرواح مواطنينا هناك"،،،، هكذا بدأت و توطدت علاقتنا بالسوريين المقيمين في دير بعلبة و باب السبع و بابا عمرو و الرستن،،، لكن ما أن قدم السيد الدابي التقرير الأولي حتى انقلبت النظرة إلينا، إذ في حين بدأ التوتر ينتاب هذه العلاقة ليصل إلى أقصى درجاته مع تقديم التقرير النهائي حيث أصدر العرعور فتوى من المملكة السعودية يحلل فيها إراقة دمنا و أبلغنا قياديون من صفوف المعارضة الداخلية بأن هذه المعارضة ترجو من المراقبين العرب قطع العلاقة معها و تطلب منهم أن يعودوا إلى أوطانهم سالمين، و أصبح إطلاق النار على الفندق و بالقرب منه يكاد لا يتوقف و ذلك دون التأكد من مصدره،،،، فإن علامات الارتياح تجاهنا أضحت ملازمة للأجهزة الأمنية المرافقة لنا و للبرامج الإعلامية الرسمية و كذا للسوريين الموالين لبشار الأسد. لكن ما قام به موظفو جامعة الدول العربية ليلة ترحيلنا إلى بلداننا كان بئيسا و في نفس الآن يبعث على كثير من التقزز، فعلى عكس ما حدث أثناء دخولنا التراب السوري، حيث رغم وصولنا مطار دمشق قادمين إليه من القاهرة على متن طائرة خاصة خضعنا فردا، فردا، لكن بشكل عادي و سريع لجميع الإجراءات الإدارية و الأمنية و الجمركية المطلوبة، فإن موظفي الجامعة الذين رافقونا إلى مطار المغادرة لم يكتفوا، هم بدل شرطة الحدود، بحجز جوازات سفرنا و تذاكرنا لديهم و الحرص على تسجيل حقائبنا و وضعها حتى و لو تعلق الأمر بحقيبة واحدة يمكن اصطحابها إلى داخل الطائرة و حشرنا لمدة ساعات في إحدى قاعات الاستقبال قبل الإقلاع نحو اسطنبول، ربما حتى لا تتكرر تجربة المراقب أنور مالك الذي غير الاتجاه صوب قطر،،، بل فرضوا علينا إعادة، بدعوى أن الحكومة السورية تريد ذلك، شرائح الهاتف الجوال التي سبق أن تسلمناها منها و استعملناها، بحسب الفترة التي قضاها كل مراقب ما بين أسبوع و 46 يوم. رغم حجاجنا بأن هذه الشرائح لن تكون لها أية قيمة تذكر خارج سورية و أنها ذاكرة تشمل بالإضافة إلى معلومات حميمية معلومات أخرى تخص هويات السوريين و خاصة المعارضين منهم، أصر موظفو مراسم الجامعة على استرجاعها و على رفض مفاوضة الحكومة السورية في هذا الشأن. فما كان منا إلا أن استجبنا، البعض سلمها كما هي و البعض عمد إلى تخريب معلمات صفيحتها النحاسية قبل أن يسلمها. أخيرا، لست أدري حجم الخطورة التي قد تكون تسببت فيها الشريحة المسجلة باسمي للأفراد الذي بادلوني الثقة، لكن لا يسعني هنا إلا أن أجدد الشكر لهم و أعلن اعتذاري الخالص لهم.
*كاتب من المملكة المغربية، شارك ضمن بعثة جامعة الدول العربية لمراقبة تطور الوضعية في سورية.
|