المصطفى صوليح* El Mostafa Soulaih
بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب و التضامن مع ضحاياه الموافق ليوم 26 يونيه/ حزيران من كل سنة، و هو اليوم التي يتصادف، في ذكراه الحالية، بكل أسف مع انشغال الإعلام و الرأي العام عن الوضعية في سورية بمستجدات جهوية أخرى. إن الأمر يتعلق بعشرات آلاف من المواطنين السوريين المحتجزين في عديد من السجون العلنية و المعتقلات و الأقبية السرية التي يصعب ضبط أماكن تواجدها، و هم في أغلبهم موقوفون "موقوفو أحداث الشغب، أي تم اعتقالهم ابتداء من يوم 15 آذار2011 بسبب مشاركتهم في الحركات الاحتجاجية السلمية المناوئة لنظام الحكم السائد" لم تنطق المحاكم في حقهم بأية أحكام قضائية. و رغم صدور و تنفيذ المرسوم الرئاسي بالعفو العام (15 يناير 2012) لم يغادر منهم السجن المركزي بمحافظة حمص سوى 14 في المائة بدعوى أن الآخرين هم، في نفس الآن، موقوفون بناء على مذكرات تجريمية أخرى من أمثلتها، على سبيل الاستئناس، حالة السيدة (...) التي لم يشملها العفو بدعوى أنها متابعة بالإضافة إلى "الشغب"، كما هو مسطر في نفس المذكرة، بتهمة الدعارة !!
إن الزيارتين (يوما 04 و 16 يناير 2012) اللتين قمت بهما، كعضو ضمن بعثة جامعة الدول العربية لتطور الأوضاع في سورية، للسجن المركزي بمحافظة حمص، و هو سجن أعيد فتحه إثر اندلاع الحركة الاحتجاجية السلمية دون تعزيزه بأي ترميم أو غيره من الإصلاحات، مكنتاني من المعاينة المباشرة لأبشع صور معاملة الإنسان للإنسان، إذ في حين هي نادرة جدا الحالات التي تهاجم فيها الحيوانات اللاحمة أفرادا من فصيلتها إلا بالزمجرة و غيرها عن بعد للنهي عن عمل ما و إثبات الذات، أو تنهش، باستثناء الضباع، أجساد أفراد من غير فصيلتها قبل أن تتأكد من أنها لم تعد تشعر بالألم،،، فإن آثار ما سبق أن تعرض له هؤلاء المودعون في هذا المركز داخل مخافر الأمن السياسي و المخابرات بشتى أنواعها لتجعل المتفحص يعتقد أن الفاعلين هم بحق جلادون ساديون يفتقرون إلى مروءة العقل و عاطفة القلب تلقوا دورات تدريبية مكثفة على مختلف طرق و أساليب التحطيم الجسدي و النفسي للفرد الإنساني و الحط من كرامته المستحقة له،،، طرق و أساليب همجية يبدو أنها نسخة مزيدة و منقحة عن أصليها النازي و الفاشي.
من بين الجرائم التي تضمنتها محاضر إيقاف هؤلاء المحبوسين كما حررها قضاة التحقيق العسكري بمحافظة حمص:"إذاعة أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة"، "النيل من هيبة الدولة"، "الشروع التام بالقتل قصدا و حيازة سلاح حربي غير قابل للترخيص و النيل من هيبة الدولة و إثارة النعرات الطائفية و إثارة الشغب"، "حيازة سلاح بدون ترخيص"، "المشاركة في إحداث الشغب و ممارسة الدعارة"، "اقتراف أفعال من شأنها إثارة عصيان مدني ضد السلطات القائمة،،"، لكن مما جاء في خطاب الموقوف (ع)، يوم الزيارة الأولى، الذي قرأه علينا بموافقة جميع الحاضرين ساعتها في العنبر/ الزنزانة/ المهجع رقم 5 يبدأ بما يلي:"إلى السيد رئيس بعثة المراقبين العرب المحترم. السادة أعضاء البعثة المحترمين، نحن جميع المعتقلين السياسيين. نحن مواطنون سوريون نحمل في عقولنا أفكارا وطنية حرة تجعل كل واحد منا صاحب رأي و كما نحمل في صدورنا هما وطنيا يجعل كل معتقل منا صاحب قضية وطنية ملخصها أننا نريد أن نعيش في وطننا سورية في ظل نظام سياسي ديمقراطي حر يحقق لنا و لجميع السوريين حياة حقيقية تتحقق فيها الحرية و العدالة و المساواة (..)"
لم يؤكد أي واحد تعرضه لأذى من قبل حراس السجن المركزي بمحافظة حمص، غير أن الاكتظاظ كان باديا للعيان، حيث بالإضافة إلى امتلاء كامل المراقد ذات الطابقين و اقتسام كل واحد منها بين اثنين إلى ثلاثة أفراد، فإن الأرضيات كانت هي بدورها تستعمل للنوم، أما الممرات الرابطة بين العنابر الخمسة و القبو(عنبر آخر تحت أرضي يخضع لرطوبة لا تطاق) فكانت غارقة في المياه الملوثة. أما مجموع ما يمكن تسميته بالمرافق الصحية فكانت عبارة عن قمامات و فضلات بشرية. و فيما توفر لدى المودعين في المهجع 3 فرن كهربائي يستعملونه للتسخين و لتهييئ الشاي أو القهوة في غفلة من الحراس، كما زعم أفراد من هذا المهجع، فإن الجميع لم يكفوا طيلة مدة الزيارة التي استغرقت أزيد من ثلاث ساعات عن التظلم من سوء التغذية و ضآلتها و انعدام مواد التنظيف و انتشار الأنفلونزا السورية و أمراض جلدية أخرى. أما السيد العميد مدير هذه المؤسسة السجنية فاكتفى بالقول إن السجن الذي يديره بصفته مؤسسة تنفيذية للقانون ذا الصلة، لا يميز بين المودعين فيه إلا حين يصنفهم، تسهيلا للمأمورية، إلى "موقوفي أحداث الشغب"، "سجناء مخدرات"، "سجناء قتل"،،، إلخ أو بحسب الجنس إلى جناح للإناث و آخر للذكور، أو بحسب درجة المسؤوية إلى جناح للأحداث و آخر للراشدين. و كذا حين يصدر عن هؤلاء الموقوفين ما من شأنه أن يخل بالقانون الداخلي للمؤسسة و الذي قد يكون من جزاءاته في بعض الحالات "الترحيل التأديبي" إلى منشأة سجنية أخرى. أما غير ذلك، يضيف السيد المدير، فإن الجميع يتمتعون بنفس الحقوق.
تتراوح أعمار هؤلاء الموقوفين بين 18 سنة، بلغها الطفلان(...) في عين المكان قبل أربعة أشهر من الزيارة الأولى، و 75 سنة بلغها الموقوف (ن,ع,ن) الذي بدا في حالة صحية جد مقلقة، من بين مظاهرها أنه لم يعد يتمكن من التحكم في عملية التبول كما تمت معاينة ذلك. لم يخل جسد أي واحد مما يزيد عن 1057 نزيل(ة) من آثار تعذيب. و في حين أن الذين كانت جروحهم ما تزال مغطاة بضمادات أصبحت متسخة بسبب عدم تجديدها كانوا نزلاء جددا، فإنه لم يسبق لأي واحد من المجموع، بحسب تاريخ إيداعه، و خصوصا من بين المصابين منهم بطلقات الرصاص، أن تم عرضه منذ توقيفه على الطبيب.
بحسب ما سردته عينة من هؤلاء الموقوفين و أثبتوه من خلال الآثار العينية التي يبدو أن عددا كبيرا منهم لن يبرأ منها أبدا، و خاصة في ظل استمرار الإهمال الحالي، إن السلطات السورية ذات الصلة لم تحترم تجاههم أيا من الإعلانات و الاتفاقيات الدولية و القواعد و المبادئ الأساسية المناهضة للتعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة و تنص على حماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن. أما عن أشكال التعذيب و غيره من المعاملة القاسية و السيئة و أساليب ذلك التي مورست عليهم أثناء توقيفهم و الشروع في التحقيق معهم، من قبل، بحسب زعمهم، عناصر أمن بزي مدني و عناصر أخرى بزي عسكري، بحيث، و دائما حسب زعمهم أن عدد المحققين كان يتكون من أربعة (04) أمنيين لكل موقوف، فأمكن معاينة: ـ آثار الكي بالمصعق الكهربائي و بالسجائر تطول معظم أجسام أغلب الموقوفين، بما فيها أعضاؤهم الأكثر حساسة. ـ آثار قطع إلى بتر أصبع أو أكثر من اليد اليمنى و القدم اليسرى أو العكس لأزيد من عشر موقوفين. ـ آثار ثقوب عميقة في راحة اليد اليسرى و أخمص القدم اليمنى أو العكس لستة موقوفين. ـ آثار عض من قبل كلاب مدربة تغطي السيقان و الأفخاذ و السواعد. ـ آثار تشوهات على مستوى الوجه بأكمله أو على مستوى الذقن أو الحاجبين. ـ إصابة اثنين بشلل كلي. ـ إعاقة عقلية لاثنين آخرين. ـ حز جزئي للعضو التناسلي لموقوف آخر،،،،
أخيرا، إن الحاجة إلى حملة تضامنية عالمية مع الموقوفين السوريين في مختلف أماكن الاحتجاز العلنية و السرية المنتشرة في شتى أنحاء التراب الوطني اللسوري، و خاصة منهم ضحايا التعذيب الممنهج، أصبحت ملحة أكثر من أي وقت سابق أو لاحق، و هي حملة ستكون أكثر فعالية إذا ما قرنت بحملة ضغط موازية، مكثفة، متواصلة و بكافة الأشكال القانونية و غيرها السلمية الممكنة على السلطات السورية من أجل الإطلاق الفوري لسراح كافة الموقوفين بسبب مشاركتهم في الأحداث الجارية أو عرض قضاياهم على محاكم مدنية و تكون فيها معايير المحاكمة العادلة مضمونة،و كذا من أجل تعديل ترسانة التشريعات الوطنية بما يتوافق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان و مع باقي الإعلانات و الاتفاقيات و القواعد الأممية التي تناهض التعذيب و تقي منه و تجرمه و تمنعه و تنص على عدم إفلات مرتكبيه و المتورطين في ارتكابه من الإفلات من العقاب،،، فهل من مستجيب؟
*كاتب من المغرب، شارك ضمن بعثة جامعة الدول العربية لمراقبة تطور الوضع في سورية
|