french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr
 

الصراع على « الأتربة النادرة » الملوِّثة يضرب « التكنولوجيا الخضراء » - حبيب معلوف

 

2012-03-28

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

 

في وقت تتحضر الأمم المتحدة لعقد قمة عالمية في حزيران القادم في الريو (البرازيل) بعد عشرين سنة على القمة العالمية التي عقدت في المكان نفسه، وقد اختارت ان يكون العنوان المركزي والرئيسي لهذه القمة، "الاقتصاد الأخضر" كمفهوم "منقذ" لقضايا البيئة والاقتصاد والفقر... أعيد الأسبوع الماضي فتح ملف الأتربة والمعادن النادرة التي تحتاجها "التكنولوجيا الخضراء" التي يعتمد عليها الاقتصاد الأخضر، كبديل عن "الاقتصاد البني" النفطي، والتي تمارس عليها الصين شبه احتكار عالمي وتخفض في صادراتها منها بحجة الحفاظ على البيئة ! فكيف يمكن الترويج لتكنولوجيا خضراء وبديلة ومنقذة، اذا كانت هذه التقنية تحتاج إلى أتربة "نادرة"، وتتسبب عمليات استخراجها وتصفيتها بتلوث بيئي كبير وخطير، هربت من كلفته معظم الدول الصناعية الكبرى؟ !
جديد الملف، رفع الولايات المتحدة الاميركية بالتعاون مع اليابان والاتحاد الاوروبي في 13 الجاري شكوى على الصين أمام منظمة التجارة العالمية حول ما أسمته "التصدير غير المنصف للمعادن النادرة". وتأتي الشكوى على الصين كونها بدأت برفع أسعارها وبخفض صادراتها من الأتربة النادرة، وكونها باتت تحتكر ما لا يقل عن 95% من سوق الاتربة النادرة التي تحتوي 17 معدنا نادرا باتت مطلوبة عالميا للصناعات العالمية العالية التقنية ولاسيما السيريوم والليتيوم المطلوبين في صناعة الهواتف المحمولة وتوربينات الرياح ومحركات السيارات الهجينة وبطارياتها المصنفة "صديقة للبيئة"، بعد ان زاد الطلب عليها في الفترة الأخيرة.
في الواقع، وحسب مراجعتنا لتاريخ هذا الملف، لم يبدأ وعي الصين للأهمية الإستراتيجية لأتربتها النادرة بالأمس القريب فقط. بدأت الصين باستخراج هذه الاتربة منذ اكثر من 30 سنة. وقد بدأت الصين بتخفيض صادراتها منذ العام 2006، وذلك بعد الضغوط العالمية والمحلية التي مورست على حكومتها للتخفيف من التلوث البيئي، وكون عمليات استخراج وتصفية هذه المواد ملوثة جدا، لأنها تترك مخلفات تصنف مشعة... والكثير من الاسيد الملوث للتربة والانهر والمياه الجوفية.
بالاضافة الى السبب الايكولوجي، يعتبر الخبير الجيولوجي كريستيان هوكار ان الصين تريد ان تعزز استهلاكها المحلي منها الذي لا يمثل سوى 30 الى 40% من الناتج المحلي الإجمالي (بالمقارنة مع 70% في الولايات المتحدة الأميركية)، وتعزيز صناعاتها، والاستجابة للضغوط الاجتماعية المحلية التي تطالب برفع الأجور والتقديمات الاجتماعية.ليست هذه الاتربة نادرة، بمعنى ان لا وجود لها الا في الصين، هناك القليل منها في الكثير من بلدان العالم، ولكن الصين هي التي فهمت أهميتها باكرا (منذ العام 1980 فعليا). ويقال إن الزعيم الصيني السابق دينغ زاو بينغ، كان قد تنبأ قبل عقدين من الزمان بأن "العناصر النادرة ستفعل في الصين ما فعله النفط في السعودية". اما باقي الدول، فقد فضّلت استيرادها من الصين على الاستثمار في استخراجها المكلف والملوث، ولاسيما في البلدان التي وضعت معايير بيئية عالية. ويتوقع جون سيمان، احد المحللين الاقتصاديين، في حديث الى جريدة "الموند" الفرنسية الاسبوع الماضي، ان لا يتم البدء بتشغيل مناجم بديلة قريبا، الا منجمين في العالم العام 2012، الأول في استراليا والثاني في الولايات المتحدة الاميركية، ولكنهما، كما يؤكد الخبير نفسه، لن يستطيعا انتاج المعادن الـ17 للاتربة النادرة، لا بل بعض المعادن الأكثر طلبا فقط. متوقعا أيضا ان تبقى الصين على رأس القائمة الاحتكارية حتى العام 2015 على اقل تقدير، مع سيطرتها على احتياطي السوق العالمي بنسبة 95%.
فما هي هذه الاتربة النادرة وفي أية تقنيات عالية تستخدم؟ وما الذي جعلها "استراتيجية" في الصناعات الحديثة، ولماذا بدأت الصين في مضاعفة أسعارها اولا ومن ثم تخفيض صادراتها منها؟ وهل هي نادرة فعلا؟ وما هي آثار استخراجها على البيئة؟ وما هو أثر ندرتها وتسببها بالتلوث على الصناعات والتكنولوجيا الخضراء البديلة التي طالما راهن عليها العالم لإنقاذ المناخ العالمي؟ وهل من امكانية لتغيير اسواق التكنولوجيا والطاقة الجديدة وحل النزاعات بين الدول ومشكلة المناخ... من دون تغيير بنية اقتصاد السوق نفسه؟

« كيف ربحت الصين معركة المعادن الاستراتيجيّة؟ »هذا السؤال شكّل عنوان المقال الذي كتبه اوليفيه زاجيك مسؤول الدراسات في الشركة الاوروبية للمعلومات الاستراتيجية في باريس في عدد تشرين الثاني من « الموند ديبلوماتيك » العام 2010. وبحسب زاجيك، بدأت « اللعبة الكبيرة »، الجيوسياسيّة، من « معادن ضروريّة لصناعة المعدّات ذات التقنيات العالية (عناصر الأتربة النادرة)، وإنتاج عالميّ تسيطر عليه الصين، وتحديد للصادرات. معتبرا ان الصين قامت بإرساء ما رفضته الرأسماليّة الغربيّة : « سياسة صناعية على المدى البعيد »، عبر بسط رقابتها على الموارد المعدنيّة الإستراتيجية .

ما هي الاتربة النادرة؟

تشكل الأتربة النادرة مجموعة من 17 معدناً ذات خصائص فريدة، باتت تستخدم بشكلٍ مكثّف أكثر فأكثر في الصناعات المبتكرة ذات التقانة الرفيعة. تستعمل هذه الأتربة مثل الـ« نيوديم » والـ« لوتيسيوم » والـ« ديسبروسيوم » و« الأوروبيوم » أو « التربيوم »... في صناعة أجهزة اللايزر والهواتف المحمولة وشاشات البلوريّات السائلة (إل.سي.دي.). كما أنّ الانجازات الجديدة في الجيل الأخير من أجهزة وسائل « التواصل الجماهيريّة »، من « الآي فون » إلى اللوحات اللمسيّة، تعتمد في جزءٍ منها على خصائص هذه الموادّ. كذلك تعيش الصناعات « الخضراء » الجديدة على هذه الأتربة النادرة : من بطاريات السيارات الهجينة، والصفائح الشمسيّة، ومصابيح توفير الطاقة الى التوربينات الهوائيّة... بالإضافة الى إمكانياتها الواعدة لاستخدامها في مجال تكرير النفط. كما تستعمل الصناعات الدفاعيّة الأتربة النادرة في أنظمة على درجةٍ من الأهمّية والخطورة، مثل الصواريخ العابرة للقارات، والذخائر الموجّهة والرادرات أو المدرّعات الارتكاسيّة... الخ

زيادة الطلب

يزداد الطلب العالمي على الأتربة النادرة بنسبة تزيد على 10 في المئة سنوياً. فقد ارتفع في خلال عشر سنوات من 40 إلى 120 ألف طن سنويّاً. ولم يعد بإمكان الصناعات الأميركية أو اليابانية أو الأوروبيّة الاستغناء عنها، بحسب ما أوجزته « سندي هورست » في دراسةٍ وضعتها مؤخّراً لصالح وزارة الدفاع الأميركية : « من دون الأتربة النادرة، يصبح جزء كبير من التقنيات الحديثة مختلفاً تماماً، وحتى أنّه من المستحيل القيام ببعض الاستخدامات. فمثلاً لن يعود بإمكاننا الاستفادة من تصغير الهواتف والحواسيب المحمولة ».
بشكلٍ عام، بقدر ما يكون أحد النماذج الصناعيّة مبتكراً (مقاوم، وخفيف، وصغير الحجم، و« صديق للبيئة »)، بقدر ما يزداد ارتهانه للأتربة النادرة.
وتشكّل صناعة السيارات اليابانية الخضراء خير دليلٍ على ذلك : فوحدها بطاريّات السيارات الهجينة « بريّوس » تتطلّب 10 آلاف طنٍّ من الأتربة النادرة سنوياً لكي يتمّ تجميعها.
ويتوقع احد خبراء الطاقة في حديث الى مجلة « البيئة الان » في عددها الصادر في 15 الجاري، ان يرفع تطوّر الصناعة « الخضراء » أكثر فأكثر الطلب العالمي على الاتربة النادرة إلى ما لا يزيد على 200 الف طنّ سنويا.

بأي معنى هي نادرة؟

القول إنّها اتربة او معادن « نادرة »، لا يعني بالضرورة أنّ هذه الموادّ هي كذلك بالمعنى الدقيق للكلمة. فبحسب « المؤسسة الأميركية للمسح الجيولوجي »، « لا تمتلك بيجين سوى ما بين 40 و50 في المئة من الاحتياطي العالمي. ويمكن أن نجد بشكل مؤكّد بعض الأراضي الغنية بها في العديد من الدول من الولايات المتحدة إلى أستراليا، مروراً بكندا أو كازاخستان أو فيتنام ». فلماذا بالتالي هذه الحساسيّة على الموضوع في الدول الصناعية الكبرى؟ ذلك لأنّه في العام 2010، كانت نسبة 97 في المئة من الـ125 ألف طن من أوكسيد الأتربة النادرة المستخرجة سنويّاً من مجمل الكرة الأرضية، صينيّة المصدر. « هذا احتكار شبه حصريّ، وحديث العهد »، بحسب شكوى كل من الولايات المتحدة الاميركية على الصين امام منظمة التجارة العالمية.
منذ اكتشافهم في العام 1927 لحقولهم الضخمة من الأتربة النادرة في منطقة بايان أوبو، وحتّى حوالي ستينيات القرن الماضي، بحسب زاجيك، لم يهتمّ الصينيون إلاّ بشكل ضئيلٍ جدّاً بالمميّزات التنافسية التي يملكونها. فحتّى ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة هي الأولى في إنتاج الأتربة النادرة. لكن في عهد دنغ زياو بنغ، ومع « البرنامج 863 » الذي وضع في العام 1986، اعتمدت بيجين إستراتيجية طويلة الأمد، هدفت إلى تطوير تحكمها الدائم باستثمارات الأتربة النادرة، من استخراجها إلى تصنيع المنتجات نصف الجاهزة، مروراً بفصل المواد الأساسية وتحويلها.
وستأتي أعمال البروفسور كسو غوانغسيان ، « أبو الأتربة النادرة الصينيّة »، حاسمة. ففي العام 1987، أنشأ أوّل مختبرٍ صينيّ مخصّص تحديداً للكيمياء التطبيقيّة الخاصّة بالأتربة النادرة، والذي عزّز دور مؤسّسة باووتو المحترمة للأبحاث التي كانت قد أسِّست في العام 1963. وما بين العامين 1978 و1989، تزايد الإنتاج الصيني بنسبة 40 في المئة سنويا، متجاوزا بالتالي حجم الإنتاج الأميركي الذي هو بدوره راح يتراجع تدريجيا، فيما انسحبت من الساحة سائر الدول. فالصينيّون، بارتكازهم على توفّر احتياطهم الخاص وغزارته في منغوليا الداخليّة، وهو ما سمح لهم ببيع الأتربة النادرة بأسعارٍ منخفضة على مدى سنوات، قد خنقوا تدريجيّاً سائر الدول المنتجة الأخرى، التي فضّلت بدورها أن تطبّق مبدأ الميّزات التفاضلية بالتخلّي عن هذا القطاع الفرعي عبر إلغاء الاستثمارات من باب « المنافسة » ونقل أعمالها إلى الصين.

أين المنافسة؟ !

يفسر زاجيك غياب المنافسة الأجنبيّة في السنوات العشرين الأخيرة، بكون صناعتها تصنف « صناعة ثقيلة ». فعمليّات فرز هذه المواد وتأهيل مكّوناتها تتطلّب الكثير الكثير من الرساميل، كما أنّها مضرّة بالبيئة. وتتطلّب عملية فرز الأتربة النادرة موادًّ كيميائيّة ملوِّثة إلى أقصى حدّ، كما تخلّف وراءها نفايات مشعّة. ويستنتج الكاتب : « وحدها الصين التي ضحّت بصحّة عمالها في مناجم باووتو وبالبيئة الطبيعيّة المجاورة، قد اختارت طوعاً أن تطوّر عملية إنتاجية مكثّفة بالرغم من هذه العوامل الخارجيّة السلبيّة ». وقد باتت نفايات مناجم شركة « باووتو ستيل » المرميّة في النهر الأصفر تشكّل مشكلةً بالغة الضخامة. فمعدّل الإصابة بمرض السرطان في أوساط العمال يبدو كلّياً غير طبيعيّ.
فهل تهربت الدول الكبرى من الاستثمار والمنافسة للتوفير على صحة العمال والبيئة؟ وماذا عن زيادة الطلب على التقنيات الخضراء التي تعتمد هذه الأتربة الوسخة؟ هذا ما لاحظه كريستيان هوكار، عالم الاقتصاد في « مكتب الأبحاث الجيولوجية والمناجم » الفرنسيّ (
BRGM)، في تصريح لمجلة « البيئة- الآن » الفرنسية الأسبوع الماضي عن « المفارقة ما بين استعمال الأتربة النادرة في مجال الطاقات المتجدّدة وبين أعمال الحصول عليها الملوّثة » !
فبفضل هذه المعادن السبعة عشر، أرست بيجين ميزان قوى مع الزبائن الأميركيين أو اليابانيين أو الأوروبيّين، الذي أضحوا رهن دورات الابتكار القصيرة جدّاً « المنشطة » بواسطة الأتربة النادرة. ومن غير قصد، يبدو ميزان القوى هذا ما بين المورّد والمستهلك صالحاً للتوظيف في الميدان السياسي والحرب الاقتصادية، كما يظهر من الشكوى التي رفعتها كل من الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي واليابان على الصين امام منظمة التجارة العالمية، الاسبوع الماضي.

الجيو استراتيجية الصينية

يصف البعض تطور الإستراتيجية الصينية في مجال الأتربة النادرة، « من استراتيجية الارتهان إلى سياسة الخنق ». بناء على هذه الفرضية، لجأت بيجين إلى خفضٍ تدريجي لحجم صادراتها، وذلك تحقيقاً لهدفين : من جهة رفع الأسعار، وبالتالي تحقيق الكسب من احتكارها القائم (بلغ سعر الطن من النيوديم 32 ألف دولار في شهر آب العام 2010، وذلك بزيادة بلغت 60 % في سنة واحدة)، ومن جهة أخرى الاحتفاظ بأتربتها النادرة من أجل رفع مستوى الإنتاج الصناعي المحلّي. ذاك أنّه بعد أن أنتجت الصين الأتربة النادرة « الخام » أو المنتجات نصف الجاهزة، وضمنت احتكارها، باتت اليوم تطمح إلى تصنيع المنتجات الجاهزة ذات القيمة المضافة الرفيعة، بهدف تأمين صناعةٍ متكاملة كلّياً في هذا المجال. هذه التركيبة المرتكزة على شبه إيقافٍ لتصدير هذه المعادن، امّن لها ورقة قوّة استراتيجية مهمّة جدّاً. وقد ذهب البعض الى تبرير « التضحيات البيئيّة » الصينية، على المدى الطويل، بهذا المنطقٍ الاقتصادي الاستراتيجي !
وبعكس بعض التقارير التي تشدّد على الميكيافلّية الصناعية لدى بيجين، فإنّ هذه الحركة لا تحظى بمتابعة دقيقة من قبل قيادات اللجنة المركزيّة، بحسب زاجيك. ذاك أنّ « إستراتيجية الارتقاء في النوعية » تترافق مع انفجار حركة النمو والاستهلاك الصيني، الذي « سرّع » المسار وأجبر الصين، بوتيرةٍ أسرع وأقسى ممّا أرادته، على إعطاء الأفضلية في التموين لمصانعها الخاصّة وذلك من أجل تلبية طلباتها. إذن عمدت الصين، بنتيجة جملةٍ من العوامل المتكاملة، هي في آنٍ معاً مقصودة (إستراتيجية التأثير السياسي، طموحات صناعية) وقسريّة (صعود سوق الاستهلاك الداخلي)، إلى خفض صادراتها من الأتربة النادرة بنسبة 40 في المئة عمليّاً في السنوات السبع الأخيرة، معلنة صراحة في تموز العام 2010 أنّ هذه الصادرات سوف تتراجع مجدّداً بنسبةٍ تزيد عن 70 في المئة في النصف الثاني من العام 2010 لتصل إلى 8000 طن مقابل 28 الفا تقريباً في الفترة نفسها من العام 2009. وحتّى ولو رغب الصينيون ذلك، فإنّه سيكون من الصعب عليهم أن يزيدوا الإنتاج بوتيرةٍ تناسب حركة الطلب العالميّة. ومن هنا قامت بيجين بوقف تموين زبائنها الأجانب، وهو ما يمكن أن يضعها في موقعٍ حسّاسٍ بالنسبة إلى قوانين منظّمة التجارة العالميّة، ويثير احتجاجات رسميّة والاعتقاد بنظريّة المؤامرة في سائر أنحاء العالم.

جدية المخاوف

إلاّ أنّ مخاوف الصناعيين اليابانيين والأوروبيين والأميركيين تقوم أيضاً على أسسٍ موضوعية. فمنذ شهر آب العام 2010، أعيد تنظيم شبكة الإنتاج حول بعض الشركات الحكوميّة الكبيرة. فشركة « باووتو ستيل »، التي تمثّل 75 % من الإنتاج الوطني، قد باتت تسيطر على الشركات الصغرى في جنوب الصين. الهدف من ذلك هو تحقيق إدارة فضلى للمشاكل البيئية، لكن على الأخصّ القضاء على تجارة غير شرعية للأتربة النادرة تصل بحسب بعض التقديرات، إلى ما يقارب ثلث الكميّة الخارجة من الصين في كلّ عام. ومن المنافع المرتبطة بذلك : هو أنّ الغطاء الاحتكاري من شأنه أن يسدّ ثغرةً مهمّة، كي تلقي الصين بكلّ ثقلها في الأسواق. هكذا سيصبح لزاماً على المصنّعين الأجانب للنوعيّات الرفيعة المستوى، وبانعدام وجود أيّ حلٍّ آخر أمامهم، أن ينقلوا أعمالهم إلى الصين، لكي يضمنوا الحصول على المكوّنات الأساسيّة بشكلٍ مستدام. ولكن بحسب بعض المحلّلين، سيحدث ما هو أسوأ. فمن أجل إطالة أمد الاحتكار بأيّ ثمن سوف تشجّع بيجين مصنّعيها على تولّي السيطرة الرأسمالية على بعض الشركات الأجنبية المعنيّة من قريب (المنقّبون الأوستراليون، مصانع التعدين الكنديّة) أو من بعيد (شركات التحويل الأوروبّية) بشبكة إنتاج الأتربة النادرة.
وبشكلٍ أعمّ برهنت بيجين منذ بضع سنوات عن نزوعها و قدرتها لأن تبني بشكلٍ دقيق استراتيجية شاملة، مؤسّسة على عملها كرافعة للأسواق، وعلى ثروتها المنجميّة وقوتها الضاربة الرأسماليّة وعلى أحادية القرار التنفيذي لديها. إلاّ أن ورقة القوة الرئيسة معها، إضافةً إلى أوراقها الأساسيّة الأخرى، يمكن أن تكون بكل بساطة انعدام تنسيق سياسات الطاقة بين اللاعبين الغربيّين، كما يلاحظ زاجيك.

يقظة متأخرة

يعلق زاجيك بشكل ساخر على ما يسميه « استيقاظ الدول الصناعية »، مؤكدا على التناقض المطلق ما بين المنطق الرأسمالي القصير النظر والاستراتيجية الطويلة الأمد. ويردنا الى المثال الأميركي عندما كانت الولايات المتحدة الاميركية تتحكم ما بين العامين 1965 و1985، بكامل سلسلة إنتاج الأتربة النادرة؛ وكان « الأسفل » (المنجم الكاليفورني في ماونت باس) يموّن « الأعلى » (مثلاً شركة « ماغنيكوينش » في ولاية إنديانا، وهي فرعٌ من شركة « جنرال موتورز » تنتج المغنطيس الدائم بمكوّنات النيوديم والحديد والبورون، وكلّها اليوم ضرورية في صناعة جميع السيارات الحديثة). ثمّ تأتي سنوات الصعود الصيني وضغطها على الأسعار.

حاجات عسكرية... ايضاً

بين العامين 1995 و2010 دخلت أبعاد جديدة في المعادلة : « تنامي قوّة الصين العسكريّة ». وبالتالي فإنّ سلسلة من الدراسات والتحليلات المخصّصة « للأتربة النادرة » قد ازدهرت في واشنطن مع تسارعٍ جلي في وتيرة وجدّية التحذيرات منذ العام 2009. وقد تبنّى البنتاغون، القيام بعملية ترويجٍ هدفت إلى جلب اهتمام أعضاء البرلمان والسلطة التنفيذيّة الأميركيين. وفي مجال الدفاع، طلب قانون « National Defense Authorization Act » للسنة المالية 2010، في قسمه الرقم 843، من مكتب المحاسبة العامة، أن يدرس تحديداً موقع الأتربة النادرة في سلسلة التموين اللوجستي لوزارة الدفاع.
اللائحة طويلة : من الذخائر الدقيقة الموجّهة، إلى الليزر وأنظمة الاتصالات وأنظمة الرادار والطيران وتجهيزات الرؤية الليلية أو حتّى الأقمار الاصطناعية... فكلّ الأعمال أو المعدات التي يجري تطويرها في المختبرات الصناعية الدفاعيّة تحتوي على أتربةً نادرة. وقد أوضحت وزارة الدفاع أنّ بعض المكوّنات التي تدخل في تركيبها الأساسي الأتربة النادرة (وخصوصاً اللانتانوم والسيريوم واليورونيوم والغادولينيوم) قد نقصت في السنوات الأخيرة، مما تسبّب ببعض التأخير في بعض البرامج العسكرية الأميركية. أما سلاح الجو المعني بقوّة بالبرامج السرّية والتقنيات التي تشكّل قفزة نوعيّة (الاتصالات والخفاء) فقد أبدى، في تقريرٍ داخليّ في العام 2003، مخاوفه من ارتهانه للمغنطيس الشديد القوّة المصنّع من النيوديم.
ففي نظر أصحاب القرار في الكابيتول الأميركي، « سوف تطرح الرغبة الصينية في الحدّ من صادراتها مشكلة تنافسيّة على الولايات المتحدة، وعلينا من جهة أن نؤمّن تمويننا، ومن جهة أخرى السماح بتطوير مناجم الأتربة النادرة على أراضينا. إذ لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تبقى مرتهنة مئة في المئة للاستيراد من الصين ». وفي شهر آذار العام 2010 ، قدّم النائب الجمهوري عن ولاية كولورادو، مايك كوفمان، مشروع قانون يطالب فيه بإعادة تأهيل كلّ الشركات الأميركية لاستغلال الأتربة النادرة، إضافةً إلى تكوين مخزن احتياطيّ استراتيجي.
وقد تحوّلت هذه المبادرة إلى مشروع « قانون تنشيط الأتربة النادرة ». لكن بالرغم من جنون التحليلات الأخيرة في الولايات المتحدة حول هذا الموضوع، والمناقشات الجارية حول الاحتياطات الاستراتيجية أو إعادة التدوير، فإنّ الارتهان سيدوم سنوات عدّة إلى الأمام. وهناك تقديرات بأنّ إعادة بناء الشركات الأميركية للأتربة النادرة قد يستغرق خمسة عشر عاماً، مع البقاء رهن توفّر الاستثمارات الضخمة والدائمة.

خبرة صراع وبدائل

يرى زاجيك ان خبرة وثقافة صناعة الأتربة النادرة تضيعان في سنواتٍ قليلة، لكنّها تستغرق عشرات السنوات لكي تنبعث، وغالباً لأنّ الخبرات البشرية الملائمة قد تبخّرت. وقد لوحظ أنّ الشركات اليابانية بدأت تشتري أتربتها النادرة من فيتنام وكازاخستان وغيرها عبر شراكات على المدى الطويل، في حين تستثمر وزارة الصناعة اليابانية في مناجم كازاخستان أو كندا. وقد بدأت الشركات الفرنسية تطوير علاقاتها بأستراليا التي باتت تلعب أكثر فأكثر دور المموّن البديل عن المحتكر الصيني. ويستنتج زاجيك « انه ما لم تظهر نزعة إراديّة استراتيجية قويّة غير مرتبطة بقوانين السوق، فسيبقى المصنّعون الأميركيون والأوروبيون واليابانيون أكثر فأكثر ارتهاناً لهذه المواد، وبالتالي رهن المكوّنات الأساسيّة المتدفّقة بغالبّيتها العظمى من الصين ».
ولكن ماذا حول ضجيج برامج الامم المتحدة مؤخرا عبر الترويج للاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا الخضراء في ظل هذا الصراع المحموم على الاتربة النادرة التي تحتاجها هذه التكنولوجيا؟ وما هو دور الأمم المتحدة أمام حرية الأسواق والمنافسة والصراع التجاري الذي يمكن ان يدمر كل شيء، بما في ذلك مناخ الارض؟ اسئلة لم تتطرق اليها دوائر الامم المتحدة (او لم تتعمق فيها بعد على ما يبدو) وهي تتحضر للقمة العالمية الثالثة حول التنمية المستدامة في حزيران المقبل !

المصدر: نشرة الأفق 20 مارس 2012

 

C.A. DROITS HUMAINS

5 Rue Gambetta - 92240 Malakoff – France

Phone: (33-1) 40921588  * Fax: (33-1) 46541913

E. mail achr@noos.fr   www.achr.nu www.achr.eu

 

 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها

الصفحة الرئيسة